فـضـل الـصـوم
لرمضان فضائل عظيمة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مُكَفرات ما بينهُنّ إذا اجتنبت الكبائر))، وقوله : ((مَن صام رمضان إيمَاناً واحتساباً غفر لَه ما تقدم من ذنبه))، وقوله : ((إذا كان أول ليْلةِ مِن شهر رمَضان صُفدت الشياطين، ومَردة الجن وغُلقت أبْوابُ النار فَلم يفتح منها بابٌ، وفتحت أبْوابُ الجَنة، فَلم يغلقُ منها بابٌ، وينادي مناد : يابَاغِيَ الخير أَقبل، ويَابَاغيَ الشرِّ أدبر ولله عتقاءُ منَ النار، وذلك في كل ليْلةٍ من لياليه)).
والصوم من العبادات المشتركة بين البدن والرُّوح فإن الامتناع عن المفطرات ساعات معينةً من الزمن تعويدٌ للجسم على الصَّبر عندما يفقد الطعام والشراب وتذكير للمرْء بنعم الله (سُبحانه وتعالى)، ولإحساس الصائم بمَا يعانيه الفقير.
والصوم كذلك من العبادات الرّوحيةِ، ففي أدائه امتثالٌ لأمر الله تعالى ووفاء لفرض قد فرضه الله على عباده، ومَدرسة يتعلم فيها الصّائم مكارم الأخلاق، ونُبل الصفات، ويكفي أن نشير إلى أثر الصوم في تعويد الأمانة أمانة الصائم للعهد بينه، وبين ربِّه سبحانه وتعالى ثم إن الصوم جُنَّة للشباب أي : وقاية لهم من ارتكاب الفواحش، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)).
ومن فوائده الكبرى، ومقاصده العظمى رجاء الصائم دخوله مع المتقين.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المقاصد والفوائد عقب أمره بوجوب الصيام بقوله : ((لعلكم تتقون)).
أحكام الصيام
شروطه :
شروط وجوب فقط وهي :
1- البلوغ.
2- القدرة.
3- الإقامة أي عدم السفر.
وشروط صحة فقط وهي :
1- الإسلام.
2- الزمن: القابل للصوم فيما ليس له زمن معين، فلا يجوز صيام يوم عيد الفطر والأضحى.
وشروط وجوب وصحة معاً وهي :
1- العقل.
2- الخلو من الحيض والنفاس.
3- دخول الوقت فيما له وقت معين كرمضان.
أركـانـه :
النية : وهي العزم على الصّوم لقوله صلى الله عليه وسلم : ((إنما الأعمال بالنيّات))، والنية يجب أن تكون بالليل، قبل الفجر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من لم يُبيت الصيَام قبْل الفجر فلا صيام له))، والنية قبل ثبوت الشهر باطلة.
وتكفي نية واحدة لصوم رمضان كله، ما لم ينقطع تتابعه. ويستحب التبييت في كل ليلة وإذا انقطع صومه بعُذر كالحيض وجبَ تبييت النية عند استئناف الصوم.
مندوباته :
1- تعجيل الفطر، بعد تحقق غروب الشمس.
2- تأخير السحور، لقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطرَ وأخروا السحور)).
3- كون الفطر على رُطب، فتمر فشيء حلوٍ، فماءٍ، ويستحب أن يكون وتراً.
4- الدعاء عند الإفطار، وكان صلى الله عليه وسلم يقول عند الإفطار : ((اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، فاغفرلي ماقدمت، وماأخرتُ)).
5- السحور، وهو : الأكل والشرب في آخر الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم : ((تسحروا فإن في السحور بركة)).
ما يباح للصائم فعله
يُباح للصائم :
1- السِّواك بغير رطبٍ ولا بذي رائحة.
2- التبرد بالماء من شدة الحرِّ.
3- السفر لحاجة مباحة وإن كان يعلم أنَّ سَفره سيلجئه إلى الإفطار إذا استوفى شروط المسافر.
4- التداوي بأي شيء حلال لا يصل إلى جوفه منه شيء، ومن ذلك استعمال إبرةٍ إن لم تكن للتغذية.
ما يعفى عنه
1- بَلْعُ الصَّائم ريقَهُ أي : لعابَه ولو كثر.
2- غلبة القيء والقلس، وهو ماء حَامِضٌ تقذفه المعدة عند الإمتلاء إن لم يَرجع منه شيءٌ إلى جَوفهِ.
3- ابتلاع الذباب غلبةً.
4- غبَار الطريق، والمصَانع ودخان الحطب، وسائر الأبْخرة التي لا يمكن التحرز منها.
5- الاحتلام، فلا شيء على من احتلم، وهُو صائم، ويجبُ عليه الاغتسال إن أنزل.
6- الأكل، أو الشرب نسياناً إلا أن عليه القضاء في الفرض، وأما في النفل فلا قضاء عليه، على أن يمسك بقية يومه.
مكروهات الصوم
1- ذوق شيء لهُ طعمٌ كملحٍ، وعسلٍ، وخلٍ، لينظر حالهُ، ولو لصَانِعه مخافة أن يسبق لحلقه شيءٌ منها.
2- يكره التطوع بالصَّوم لمن عليه صوم كالمنذور، والقضاء والكفارة.
3- شمُّ الطيب، والتطيُّبِ.
مفسدات الصوم
ما يفسد الصوم نوعان :
أ- نوع يُوجبُ القضاءَ فقط.
ب- نوع يُوجبُ القضاء والكفارة.
أ- ما يوجبُ القضاء :
1- إذا أفطر الصائم غيرَ قاصدٍ أن ينتهك حرمةَ الشهر، وجبَ عليه القضاء فقط، ومثالُ ذلك : إذا غلبه الماء إلى الحلق في المضمضةِ، أو الاستنشاق.
2- إذا أفطر ناسياً أنه صائمٌ، وعلى المفطر الناسي : أن يُمسك بقيّة النهَارِ ولا قضاء عليه إذا كان متطوعاً بصيامه.
3- مَن أصابتهُ جنَابَةٌ ليلاً، ولَم يغتسل إلا بعْدَ الفجْر، فظنَّ أنَّ صَوْمه لا يُقبلُ، فأفطرَ.
4- ومن أفطر لتأويلٍ قريب، وهُو : مَا اسْتُنِدَ فيهِ لأمر محقق، لاوهْم فيه، ولاَ خيَال، فعليْه القضاءُ فقط مثل : من أفطرَ ناسياً، أو مكرهاً في نهار رمضان، فظَنّ أنه لا يجبُ عليه الإمساكُ بقيَّة يومِه، فتمادى في الإفطار.
5- مَن قدم مِن سفره قبْل الفجر، فظن أنه يبَاح له الفطر صبيحة ذلك اليَوم، فأفطر.
6- من سَافر أقلَّ من مسَافةِ القصر، فظن إبَاحة الفطر في سفره هذا، فأفطر.
7- من احتجم نهاراً، فظن إبَاحَة الفطر له، فأفطرَ.
ب- ما يوجب القضاءَ والكفارة :
تجب الكفارة مع القضاء :
1- إذا تعمد الصائم الفطرَ في شهر رمضان، ويتحقق ذلك بالجمَاع، أو بإنزال المنِّي، ولو بإدامة النظر، أو الفكر، أو برفع نيّة الصوم، أو بوصُول مَائع أو جامدٍ إلى المعدة من الفم، بقصد انتهاك حرمة الشهر، من غير تأويل قريب، وليسَ على من أفطر متعمداً في قضاء رمضان كفارة.
2- التأويل البعيد : مَن أفطر لتأويل بعيد، وهو : ما اسْتند فيه لأمر غير محقق، وبناه على الوهم، والخيال فعليه القضاء والكفارة كما سبق، ومثال ذلك :
أ- من اعتادته الحمى في يوم معين، فأفطر قبل مجيئها، ولو جاءته في الموعد المعين.
ب- من اعتادت الحيض في يوم معين في الشهر، فأفطرت فيه قبل مجيء الحيض.
ج- من اغتاب أحداً، فظن أن الغيبة مفطرة، فأفطر.
د- من انفرد برؤية الهلال، ولم تقبل شهادته عند الحاكم، فظن إباحة الفطر له كبقية الناس، فأفطر.
هـ- من أفطر لعزمه على السفر في يوم معين، ولم يسافر.
أصحاب الأعذار
1- المسافر :
وللمسافر أن يفطر إذا وجدت الشروط الآتية :
أ- أن يكون سفرَ قصْر مسافته واحد وثمانون كيلومتراً فأكثر.
ب- أن يبيتَ نيّة الفطر في السفر قبْلَ الفجْر.
ج- أن يشرع في السفر قبْل طلوع الفجر، بحيث يجاوز البساتين المتصلة بالبلدة التي يسكنها قبل طلوع الفجر.
د- أن يكون السفر مباحاً.
فإن فُقِد أحدُ الشروط فأكثر فلا يجوز لهُ الفطر، والأفضل للمسَافِر المسْتكمل لشروط السفر الصوم، إنْ لم تحصل معه مشقة، قال تعالى : ((وأن تصُومُوا خَيْرٌ لكم)).
2- المريض :
أ- إذا خاف بالصوم زيَادة مرضٍ، أو تأخرَ ُبرْءٍ، أو حصُول مشقةٍ شديدَةٍ جاز لَه الفطر.
ب- أما إذا غلبَ على ظنه الهَلاك، أو الضرر الشديد، بسَبب الصوم، كتعطيل حاسّة من حواسه، فيجب عليه الفطر، وفي كلتا الحالتين عليْه القضَاءُ حينَ يستطعه.
3- الشيخ الكبير:
إذا بَلغ المسْلم، أو المسْلمة سنا منَ الشيخوخة، لا يقوى معَه على الصوم أفطر، وتصدق عنْ كل يَومٍ يفطره بِمُدٍّ من طعامٍ نَدْباً، لقول ابن عباس رضي الله عنهما : ((رخص للشيخ الكبير الإفطار، مع اطعامِ مُدٍّ عن كل يوم، ولا قضَاءَ عليه))، وكذلك المَرِيضُ مَرَضاً مُزمناً، لا يُرجى بُرْؤُهُ.
4- الحامل والمرضع :
إذا كانت المسْلمة حاملاً، وخافت على نفسِها، أو على جنينها أفطرت، وعنْد زوال العُذر تقضي ما أفطرته.
وبالنسبة للمرضعة، إذا خافت على نفسها، أو على رضيعها، ولم تَجدْ مَن ترضعه لها، أو لم يقبل غيرها أفطرت، وعليها القضاء، والفدية وُجُوباً.
5- حالات أخرى يباح فيها الإفطار :
أ- خوف الهلاك، أو الضرر البالغ من جوع أو عطش شديدين.
ب- الجهاد لإعلاء كلمة الله، لمن خاف الضعف منه، إذا استمر صائماً وعليه القضاء بعد ذلك.
ج- الجنون، أو الإغماء :
1- من حدث له جنون، أو إغماء قبل الفجر، فعليه القضاء، إذا زال عذره.
2- أما إذا حدث الجنون بعد الفجر، فإن استمر جنونه، أو إغماؤه نصف الزمن أي : يوم الصوم فأقل، فلا قضاء عليه، وإن استمر أزيد من النصف فعليه القضاء.
الكـــفـــارة
شرع الله الكفارة للذين يتعدون حدود الله بالإفطار عمداً في رمضان؛ لجَبْر ما وقعوا فيه من إثم، أو عقوبة لهم على ما اجترحوا. وهي إحدى ثلاثة أشياء على التخيير :
1- إطعام ستين مسكينا، والمراد به هنا : ما يشمل الفقير، والمسكين، لكل واحدٍ مُدّ، وهو : مِلْءُ اليَدين المتوسطتين، لا مبسوطتين، ولا مقبوضتين، وهذا هو مد النبي صلى الله عليه وسلم.
2- صيام شهرين متتابعين، يحددهما بالهلال إن ابتدأهما من أو ل الشهر، فإن بدأهما أثناء شهر، صام الشهر الثاني بالهلال كاملا أو ناقصا، وكمّل الشهر الأول من الشهر الثالث ثلاثين يوما فيكون المجموع شهرين، فإن أفطر أثناء صيام الشهرين عمداً، بطل جميع ما صامَه، ويستأنف من جديد.
3- عتق رقبة مؤمنة سالمة من العيوب إن وجدت.
ولا تتعدد الكفارة في اليوم الواحد بتكرار موجبها في نفس اليوم.