ذ. عبد القادر دغوتي
رمضان مدرسة تربوية ربانية، تُفتح أبوابها كل عام، فيدخلها جموع أبناء الأمة الإسلامية ممن عقد العزم وبيّت النية على التعرض لنفحاتها والاستفادة من ثمارها الروحية والأخلاقية والصحية، ونيل فضائلها الدنيوية والأخروية.
1- شروط الالتحاق بالمدرسة الرمضانية :
يشترط لولوج مدرسة رمضان جملة شروط تضمنها القانون الأساسي لهذه المدرسة، وهي: الإسلام، البلوغ، العقل، الاستطاعة البدنية، من حيث خلو الجسم من الأمراض المزمنة وغير المزمنة والطهارة من الحيض والنفاس إضافة إلى الإقامة… ويلزم كل من استكمل هذه الأوصاف أن يلتحق بالمدرسة ويخضع لمقرراتها وقوانينها وينعم برحماتها وبركاتها في الدنيا والآخرة.
كما يشترط أيضا بالنسبة للمرأة الطهارة من الحيض والنفاس؛ وإلا فإن الصوم يحرم على الحائض والنفساء، ولا يصح منهما ويقع باطلا، وعليهما قضاء ما فاتهما. فعن معاذة قالت: سألت عائشة، فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت ؟ قلت: لست بحرورية ولكني أسأل. قالت: ((كنا يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة))(1).
2- مدة التربية والتكوين في المدرسة الرمضانية :
يستغرق التكوين والتربية في هذه المدرسة الجليلة مدة محدودة ومعدودة، كما هو مبين في قانونها الأساسي. وهي مدة شهر قمري كامل، لا ينقص عن تسعة وعشرين يوما ولا يزيد عن ثلاثين يوما. يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياما معدودات}(البقرة:183). وقد بين الله تعالى أن هذه الأيام المعدودات هي شهر واحد فقال: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه}(البقرة 185)، ويثبت هذا الشهر برؤية الهلال ابتداء وانتهاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمي عليكم الشهرُ فعدوا ثلاثين))(2).
3- مواد التربية والتكوين في المدرسة الرمضانية :
يتربى المسلم في المدرسة الرمضانية خلال شهر كامل، على جملة من المواد والبرامج التربوية، نكتفي بذكر أهمها فيما يلي:
> مادة القرآن الكريم: فرمضان شهر القرآن، فيه أنزل القرآن الكريم وفيه كان السلف يختمون القرآن الكريم ختمات متعددة ويتدارسونه، وفيه سنت صلاة التراويح والقيام والتي يغلب عليها تلاوة أكبر قدر من كتاب الله تعالى. فلابد للمسلم من تلمس الهدى من كتاب الله بالتلاوة والتدبر والتدارس والتعلم والتعليم وحفظ ألفاظه وحدوده.
> مادة الإخلاص والتقوى: حيث يتربى المسلم على مراقبة الله في السر والعلن، فهو يمتنع عن شهواته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس طاعة لله تعالى وخوفا منه سبحانه، فلو شاء لأكل وشرب حيث لا يراه أحد من البشر، ثم خرج إليهم مظهرا أنه صائم، لكن تقوى الله واستشعار مراقبته منعاه من ذلك. وفي هذا المعنى ورد الحديث القدسي: ((والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشرة أمثالها))(3).
> مادة الصبر: فإن المسلم يتدرب في مدرسة رمضان على تقوية الإرادة وشحذ الهمة، بالصبر والتصبر على الجوع والعطش، وعلى ترك المألوف والمعتاد، وعلى القيام والسهر للصلاة وتلاوة القرآن، بل وعلى أذى الناس، بأن يدفع إساءتهم بالإحسان، ففي الحديث عن النبي العدنان: ((إذ أصبح أحدكم يوما صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه أو قاتله؛ فليقل: إني صائم إني صائم))(4).
ولا يزال المسلم الصائم يرتقي في منازل الصبر، حتى يبلغ مقام المحبة والمعية. قال الله تعالى : {والله يحب الصابرين}(آل عمران : 146)، وقال جل جلاله : {واصبروا إن الله مع الصابرين}(الأنفال46)
> مادة الجود والكرم: إن الجود خلق يزين العبد ويمهد له الطريق إلى محبة الخالق والمخلوق، فيكون قريبا من الله قريبا من الناس. وهذه نعمة تغيض الشيطان اللعين وتثير حقده وحسده، فلا غرو أن يقف في هذا الطريق، طريق الإنفاق والجود والكرم، صادا عنه. قال تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويامركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم}(البقرة 268)
فعلى المسلم أن يتدرب ويتربى في مدرسة رمضان على تطهير النفس من الشح والبخل بالإنفاق في سبيل الله، وإطعام الطعام، وإفطار الصائمين، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، كل حسب سعته. قال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها}(الطلاق : 7). وإن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان إن جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)5
> مادة التربية البدنية: إضافة إلى التربية الروحية التي يتلقاها المسلم في مدرسة رمضان؛ فإنه يتربى تربية بدنية عظيمة وقاية وعلاجا وتقوية؛ فإن الصيام أعظم دواء لمختلف الأدواء، وأعظم مقو للمناعة ومنشط لأجهزة الجسم، كما يفيد أهل الذكر والاختصاص في الطب والصحة.
4- جوائز ربانية للمجتهدين الناجحين في الدورات التربوية التكوينية لمدرسة رمضان :
خص ربنا الكريم سبحانه جوائز قيمة وعظيمة، لكل من أقبل على رمضان بجد وجهاد للنفس والرقي بها إلى معالي الأمور ومنعها من سفسافها؛ فصلى وصام وقام، وأقبل على الذكر والقرآن، وعصى الهوى والشيطان، وهجر مجالس اللغو واللهو مع الخلان، واشتغل بالتوبة والاستغفار وتجديد العهد مع الرحيم الرحمان.
إنها جوائز: الرحمة، والمغفرة، وكفارة الذنوب، والنجاة من النار والفوز بالجنة، كما أعلن عنها النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه))(6) وقوله : ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه))(7) وقوله: ((إذا دخل شهر رمضان فُتَحت أبواب الجنة وغُلَقت أبواب النار، وصُفَدت الشياطين))(8)…
5- حفل الاختتام :
بعد موسم إيماني حافل بالجد والاجتهاد في العبادة والتقرب إلى الله تعالى بأنواع القربات، وبعد مسيرة تربوية إصلاحية مكتملة الجوانب والأركان، يحق له أن يفرح بهذا الفضل العظيم : {قل بفضل الله فبذلك فليفرحوا}، وقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : ((للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه))(9).
وللتعبير عن هذا الفرح شرع الرب الكريم سبحانه لعباده يوما خاصا يلي شهر الصيام مباشرة، جعله لهم عيدا يلبسون فيه أحسن الثياب، ويخرج فيه الرجال والنساء والصبيان إلى المصلى تلهج ألسنتهم بالتكبير والدعاء، ويتزاور فيه الأحباب، ويتصالح فيه الخصوم وتُنسى الأحقاد، وتذوب الفروق بين الناس… إنه عيد الفطر الذي خصنا الله به نحن المسلمين مع عيد الأضحى، دون غيرنا من الأمم. فبشرى للناجحين في مدرسة رمضان
————
1- صحيح مسلم، باب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، رقم 335 (69)
2-صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال، رقم 1081(19)
3- صحيح البخاري رقم 1894
4- صحيح مسلم، باب حفظ اللسان للصائم، رقم 1151(160)
5- صحيح مسلم، كتاب الفضائل، رقم 2308(50)
6- صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وتقصيرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهوالتراويح، رقم 175(760)
7- نفسه، رقم 173(759)
8- سنن النسائي، كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان، رقم 2097
9- صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، جزء من حديث رقم 1151(163)