ذ. محمد الصباغ
صيام رمضان عبادة:
إن عبادة الإنسان لربه يجب أن تكون شاملة تعم كل ما فرضه الله عليه، من صلاة وصيام وزكاة وحج… فلا ينبغي للمسلم أن يصوم وهو لا يصلي، أو يصلي في رمضان ويتركها بعد انقضائه، كما يجب أن تكون العبادة مستمرة، من سن البلوغ إلى آخر العمر، دون انقطاع أو توقفات متقطعة، ما لم يكن هناك مانع شرعي يجيز الترخيص في ذلك كالعجز أو المرض أو العته…. قال تعالى :{وما جعل عليكم في الدين من حرج}(الحج:78).
ومعلوم أن الصيام في الإسلام عبادة وهو على خمسة أنواع: واجب ومستحب ونافلة ومكروه وحرام. وصيام رمضان ركن من أركان الإسلام، وأركان صيامه التي لا يصح إلا بها ثلاثة :
اثنان متفق عليهما، وهما زمن الوجوب وهو شهر رمضان، وزمن الإمساك عن المفطرات. والثالث مختلف فيه وهو النية، فقول الجمهور، على أن صوم رمضان لا يصح إلا بها، بينما ذهب آخرون إلى القول :إن صوم رمضان لا يحتاج إلى نية إلا أن يكون الذي أدركه رمضان وهو مريض أو مسافر ويريد الصيام. وصيام رمضان فرض على المسلمين في السنة الثانية للهجرة كتابا وسنة وإجماعا، كما فرض على من كان قبلهم. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}(البقرة :182). قال الحافظ بن كثير في تفسيره لهذه الآية : “إن المراد بالذين من قبلكم، هم قوم نوح ومن بعدهم. وهذا يدل على أن الصيام كان مفروضا ومعروفا عند الأمم السابقة. وفرض صيام رمضان في السنة وارد في حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان”(رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري). كما أجمع علماء المسلمين على ركنية صيام رمضان وعلى تكفير جاحده وجاحد كل ما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالصلاة والزكاة وغيرهما.
منافع الصيام :
إن للصيام منافع كثيرة لو عرفها الناس لأكثروا منه طيلة السنة، ومنها:
أ- مغفرة الذنوب : فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”(أخرجه البخاري ومسلم ).
ب - اختصاص الله تعالى بالجزاء عنه: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، والصوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفت ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان : إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه”(رواه البخاري ومسلم).
ج – استجابة الدعوة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”ثلاث لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب وعزتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعد حين”(رواه الإمام أحمد و الترمذي وابن ماجة).
د- فوائد صحية ونفسية واجتماعية: أثبت الطب القديم والحديث أن الصوم يعالج الأمراض النفسية والبدنية والاجتماعية، فهو يريح الجهاز الهضمي ويطهر المعدة، ويعمل على مقاومة الضغط الدموي والبول السكري وزيادة الوزن… وورد في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”. كما أن للصوم آثارا اجتماعية تظهر في التعاطف والرحمة، اللتين تتحلى بهما نفوس الصائمين، حيث يشعر كل من الغني والفقير بألم الجوع والعطش، فتصفو بذلك قلوب الفقراء على الأغنياء من شوائب الحقد والكراهية، وتؤمن بالمساواة الربانية في هذه العبادة، وفي المقابل ترق قلوب الأغنياء على الفقراء، فيبادرون إلى عونهم ومساعدتهم، وبهذا وذاك تسود المحبة بين الطبقتين. ويحصل التعاون فيما بينهما على ما فيه الصلاح لهم جميعا. قال سبحانه : {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان}.
فضلا على أن المسلم حينما يكون صائما، يشعر بإحساس قوي في نفسه ينبئه برضى الله عنه، لأنه اختار الصيام طواعية، ولم يكرهه عليه أحد، فامتنع عن الأكل والشرب وغيرهما من الشهوات، امتثالا لأمر الله، وحبا فيه ورجاء في رحمته وثوابه.
عادات في رمضان بين المدح والذم:
تختلف هذه العادات من بلد إلى آخر، بعضها محمود، كقيام الليل في المساجد أو البيوت، وتبادل الزيارات، والاستماع إلى الدروس الدينية التي يتفضل العلماء بإلقائها في المساجد أو عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، مما يجعل نفوس الصائمين تميل إلى فعل الخير والإكثار منه في هذا الشهر… وبعضها غير محببة، وقد تفسد الصوم على من يقوم بها وهو لا يشعر، كإطلاق العنان للحواس تفعل ما يحلو لها من الأشياء، وهو يظن أنها من الصغائر لا تفسد الصيام ولا تؤثر فيه، كالسب والكذب والنميمة والغضب واللغو والكبر والرياء… ولهذا قال رسول اله صلى الله عليه وسلم : “من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”(رواه البخاري).
فنسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يقيم حدوده على قواعدها الشرعية ويجعلنا من الذين يفوزون بجوائزه الدنيوية والأخروية.