مجرد رأي
ذ. عبد القادر لوكيلي
…يأخذ علي بعض الإخوة الأفاضل اهتمامي الكبير في مقالاتي الأخيرة بما يحدث في مصر هذه الايام دون غيرها من بلاد العالمين. جوابا على هذا العتاب، أقول إن اهتمامي بمصر مرده إلى أمرين اثنين :
أولا : مصر دولة محورية في عالمنا الإسلامي والعربي، فهي بمثابة القلب النابض في جسد الامة. والقلب -كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم- إذا صلح، صلح الجسد؛ و إذا فسد، فسد الجسد كله. فقد كانت الأمة عبر تاريخها الطويل تلجأ إلى مصر كلما حزبها أمر جلل، أو اكتسح أراضيها غزاة أو شداد آفاق. أهل مصر هم الذين خلصوا بغداد من بطش و ظلم التتار بقيادة قطز رحمه الله، كما أن أهل مصر بقيادة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى ـ لما اجتاح الصليبيون فلسطين واحتلوا بيت المقدس بعدما أسالوا أنهارا من دماء المسلمين بلغت ركب خيولهم ـ هم الذين أعادوا القدس لأهلها، وهم الذين أعادوا -وقتها- الأمة لمجدها بعدما دحروا الطغاة الصليبيين إلى غير رجعة.
ثانيا : اهتمامي بأحداث مصر واجب شرعي من الأساس مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : ((من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم))، والاهتمام بأحداث مصر هو اهتمام بمستقبل المشروع الإسلامي برمته، ولا يعنيني: من يحكم مصر؟ وإنما يعنيني في المقام الأول: بم تُحكَم مصر ؟؟ فالمشروع الإسلامي الذي ارتضاه الشعب المصري في انتخابات حرة و نزيهة لم يرُق جهات داخلية وإقليمية ودولية كثيرة، مما جعلها تدفع -وما تزال- بقلة من عملائها من الموتورين العلمانيين من أجل إجهاضه و محاربته بكل ما بأيديهم من صلف ومكر وحقد دفين لدرجة أن أحد قادتهم يصرح للإعلام “أن مصر لا تسعنا نحن الإثنين:” يا حنا يا هوما”!! “نقيم لهم المشانق أو يقيمون لنا المشانق”!!
كلام يذكرنا بما قاله بوش قبل العدوان على العراق مع إضافة حكاية المشانق..
آخر ما تفتقت عنه عقول هؤلاء السفهاء، ما تناقلته شاشات العالم من انتهاك لحرمات المساجد، وتمزيق للمصاحف، واعتداءات على المصلين، واحتجازهم بداخلها لمدة تجاوزت العشر ساعات وفيهم الشيخ الكبير والطفل الصغير والمرأة الضعيفة. الشيء الذي لم تفعله حتى (إسرائيل) مع الفلسطينيين!!
سبق هذه الجرائم البشعة، الهجوم على مقر الإخوان المسلمين وإحراق حافلاتهم وسياراتهم علاوة على ضرب وسحل العشرات من أنصارهم وحرق أحدهم بالمولوتوف. تزامنا مع هذا كله، تم اقتحام مقر حزب الحرية والعدالة بحي النيل وتدمير جميع محتوياته أثناء احتفال نساء وفتيات الحزب بعيد الأم!!. تقع كل هذه الجرائم الشنيعة في غياب شبه تام للأمن الذي يفترض فيه حماية الممتلكات الخاصة و العامة. الذي كان حاضرا وقتئذ وبقوة شديدة هو الإعلام المأجور بكل أصنافه بصحفييه ومراسليه المنافقين وكأنهم على موعد واحد لمتابعة مأتم دبرت تفاصيله بليل حالك الظلمة و”الظلم ظلمات يوم القيامة”.
والغريب في تغطية هذا الإعلام الكاذب أنه حول الضحية إلى جلاد والجلاد إلى ضحية لا حول ولا قوة له أمام بطش”المتطرفين” الذين أذاقوهم من العذاب أصنافا ومن السحل أنماطا.
ولكن سرعان ما انكشف المستور وانقلب السحر على النافقين السحرة عندما بدأت تظهر فيديوهات حقيقية لحجم المجزرة المروعة التي تعرض لها أبناء الشعب المصري المسلم -الذين آمنوا بالله واختاروا الإسلام مسلكا لحياتهم- وهم يدافعون بصدورهم العارية عن مقراتهم و ممتلكاتهم وقد أصبحوا كالأيتام في مأدبة اللئام لئام حقيقيين لا هم في العير ولا في النفير و لا يعرفون حتى من يحكم مصر. فلا يهمهم في النهاية سوى تلك الجنيهات التي يأخذونها ممن يمولونهم من علمانيين وسياسيين فاسدين هم أنفسهم يقبضون من فلول النظام السابق برعاية جهات إقليمية ودولية الله وحده أعلم بخطورة ما تحيكه للأمة ممثلة في قلبها النابض عبر التاريخ : مصر أرض الكنانة التي استوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهلها خيرا، إذ يقدر الخبراء أن نجاح المشروع الإسلامي في مصر سيكون له أثر في دعم التجارب الإسلامية المماثلة في المنطقة العربية والإسلامية ودعم مناخ الحرية والعدالة والكرامة، والانطلاق في مشاريع الإصلاح الحضارية الكبرى، وأن فشله سيؤدي إلى فشل نفس التجارب المماثلة أيضا وسيعيد المنطقة إلى نفس العهود المظلمة السابقة.
لذلك يلاحظ هذا التجييش للوقوف ضد المشروع الإسلامي جميع البلاد العربية و الاسلامية بغرض إحباط الأمة ونكسها لتكون في نهاية المطاف لقمة سائغة للآكلين و مشروعا للتقسيم والبلقنة -كما هو مخطط لها منذ زمان بعيد- و هو ما نرى أولى تجلياته في العراق والسودان واليمن.
حفظ الله الأمة من كيد الأعداء ومكر السفهاء آمين آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.