ذ. رشيد المير
يجيب القرآن عن ذلك : {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}(الأنبياء: 90)
من هذه الآية نستطيع أن نبصر السرّ في استجابة الله لدعاء هؤلاء الأنبياء فقد تحققوا و تخلقوا بثلاثة شروط وهي:
-1 المسارعة في الخيرات :
الخطوة الأولى على طريق الدعاء المستجاب هي الإسراع للخير بالخير : {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ}…هي الاستجابة الفورية اللاشعورية لأمر الله وتعبير عملي عن كمال الجاهزية وتمام الطاعة بكل تلقائية وروية…وهي حالة سابقة للدعاء : هي إدراكهم لواقعهم لموقعهم وكما قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله :
“.. إذا أردت أن تعرف قدرك عند الملك، فانظر فيما يستخدمك، وبأيِّ الأعمال يشغلك، كم عند باب الملك من واقفٍ، لكن لا يدخل إلا من عني به، ما كلّ قلبٍ يصلح للقرب، ولا كلّ صدرٍ يحمل الحبّ، ما كلّ نسيم يشبه نسيم السحر…
مقامك حيث أقامك!
{وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ . وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالارْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}(آل عمران:132- 133).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(الأنفال :24)
إنها المسارعة في كل المجالات الخيرية التي يتحرك العبد ضمن دوائرها مصداقا لقوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}(آل عمران:10) والخيرية هي وسام شرف هذه الأمة والمنتمين إليها {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(آل عمران : 110) أمة لم تخرج لذاتها بل أخرجها الله للعالمين. تتكون من عباد مخلصين صادقين فاعلين ومؤثرين في محيطهم باعوا أنفسهم لله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا…}(البقرة : 143)…. عبادا صُنِعوا بالوحي فكانوا حسن التفكير والتعبير والتدبير. فلما دعوا إلى الله وبالله بحكمة وصبر و تخلصوا من الأوتاد الثمانية(1) أصبحوا أئمة . فلما دعوا الله مخلصين صادقين منيبين إليه استجاب لهم.
2- الدعاء بطمع وخوف:
الخطوة الثانية هي الدعاء بطمع وخوف: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}. قال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الارْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}(الأعراف : 56)
الرَّغَب أي الرغبة في ما عند الله من النعيم، والرَّهَب هو الرهبة والخوف من عذاب الله تعالى. إذن ينبغي أن يكون دعاؤنا موجّهاً إلى الله تعالى برغبة شديدة وخوف شديد.
عندما تدعو الله تعالى، هل تلاحظ أن قلبك يتوجّه إلى الله وأنك حريص على رضا الله مهما كانت النتيجة، أم أن قلبك متوجه نحو حاجتك التي تطلبها؟! وهذا سرّ من أسرار استجابة الدعاء.
عندما ندعو الله تعالى ونطلب منه شيئاً فهل نتذكر الجنة والنار مثلاً؟ هل نتذكر أثناء الدعاء أن الله قادر على استجابة دعائنا وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؟ بل هل نتذكر ونحن نسأل الله أمراً، أن الله أكبر من هذا الأمر، أم أننا نركز كل انتباهنا في الشيء الذي نريده ونرجوه من الله؟
لذلك لا نجد أحداً من الأنبياء يطلب شيئاً من الله إلا ويتذكر قدرة الله ورحمته وعظمته في هذا الموقف. فسيدنا أيوب بعدما سأل الله الشفاء قال : {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وفي دعاء سيدنا يونس عليه السلام لم يطلب من الله شيئاً!! بل كل ما فعله هو الاعتراف بشيئين: الأول جدد العهد مع الله فقال: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ}، والثاني أنه اعترف بأنه قد ظلم نفسه عندما ترك قومه وغضب منهم وتوجه إلى السفينة ولم يستأذن الله في هذا العمل، فاعترف لله فقال: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}. لأنه لم يكن قد استكمل وظيفته الدعوية المكلف بها.
وهذا هو شأن جميع الأنبياء أنهم يتوجهون بدعائهم إلى الله ويتذكرون عظمة الله وقدرته ويتذكرون ذنوبهم وضعفهم أمام الله تبارك وتعالى.
3- الخشوع لله تعالى
والأمر الثالث هو أن تكون ذليلاً أمام الله وخاشعاً له أثناء دعائك، والخشوع هو الخوف: {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}. وهذا سرّ مهم من أسرار استجابة الدعاء، فبقدر ما تكون خاشعاً لله تكن دعوتك مستجابة. والخشوع لا يقتصر على الدعاء، بل يجب أن تسأل نفسك: هل أنت تخشع لله في صلاتك؟ وهل أنت تخاف الله أثناء كسب الرزق فلا تأكل حراماً؟ وهنا ندرك لماذا أكّد النبي الكريم على أن يكون المؤمن طيب المطعم والمشرب ليكون مستجاب الدعوة.
هل فكرت ذات يوم أن تعفوَ عن إنسان أساء إليك؟ هل فكرت أن تصبر على أذى أحد ابتغاء وجه الله؟ هل فكرت أن تسأل نفسك ما هي الأشياء التي يحبها الله حتى أعملها لأتقرب من الله وأكون من عباده الخاشعين؟
هذه أسئلة ينبغي أن نطرحها ونفكر فيها، ونعمل على أن نكون قريبين من الله وأن تكون كل أعمالنا وكل حركاتنا بل وتفكيرنا وأحاسيسنا ابتغاء وجه الله لا نريد شيئاً من الدنيا إلا مرضاة الله سبحانه، وهل يوجد شيء في هذه الدنيا أجمل من أن يكون الله قد رضي عنك؟)(2)
—–
1- المقصود بالأوتاد الثمانية ما ورد في هذه الآية من المحبوبات التي إن طغت أعاقت القرب من الله والاستجابة الفورية له {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}(التوبة :24)
2-أنظر-أسراراستجابةالدعاء http://kaheel7.com/pdetails.php?id=340&ft=6