وعَد الله عز وجل ـ ووعده صادق ـ عباده المؤمنين بالتمكين لهم في الأرض فقال تعالى:” وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ “، واشترط الباري جل وعلا على عباده لاستحقاق هذه الوراثة وهذا الاستخلاف أن يؤدّوا حقه. وحقُّه تعالى أن يُعبَد فلا يعصى، وأن تُراعى حدوده وتُرضى، وأن تقام شريعة الإسلام، وأن يعدل المسلم حتى ولو تعلق الأمر بذوي قرباه، فلا يظلم ولا يطغى، وأن تعمر الأرض بالخير والعدل والفضل والإحسان، وأن يوزن بميزان القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام. قال تعالى:”الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور”.
ولقد مكّن الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولصحابته رضي الله عنهم لَمَّا تحققت فيهم جملة صفات على رأسها:
- عبادة الله تعالى حق العبادة، “يعبدونني لا يشركون بي شيئا”؛ عبادة تجمع كل معاني الإيمان الحقيقي تصورا وتصرفا، تفكيرا وتعبيرا وتدبيرا، عبادة يخلص فيها العبد لمولاه حق الخلوص: خضوعا وطاعة، يقينا وتوكلا، أوبة وتوبة، أمرا ونهيا.
- الخيرية والصلاح: صلاح وخيرية قائمان على التشبع بالإيمان وتحري فضائل الأعمال ظاهرا وباطنا، خيرية جمعت أيضا كل معاني الخيرية من سلامة في التصور، واستقامة في السلوك، وتلازم العلم والعمل، خيرية لا تقتصر على الذات وإنما تتعدى إلى الغير “تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”.
- الكلمة الجامعة: فقد كانت أمة المسلمين زمن النبي وصحابته ذاتا واحدة، وقبلتها واحدة، ولواؤها واحد، “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى ” و” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”.
- الحكمة في العمل والبناء: فقد كان للمسلمين، ما كان لهم من النجاح والتوفيق، بسبب التزام الحكمة في كل صغيرة وكبيرة، وفي البناء والإعداد، وكانوا يبنون الحاضر وعيونهم تتطلع إلى المستقبل القريب والبعيد على حد سواء، بيقين المبصرين وعزم المتوكلين، وكان يبنون الرجال لحمل الأعباء الثقال فحسُن منهم الحال والمآل.
ولقد أصاب الأمةَ عبر تاريخها الطويل انحرافٌ غير قليل، أصاب براعمَها بأنواع من الذبول، فانطفأت أنوارها ومالت نجومها إلى الأفول، فعمتها الظُّلَم وتكالبت عليها الأمم، وخرجت من ليل الاستعمار ضعيفة الرأي لا تملك قوة القرار ولا حقّ الاختيار، ومزقت كلمتَها الألْوِيةُ والمذاهبُ وتعددُ الأهواء والنزوات، وتحكمت فيها الشبهاتُ والشهوات، فتوالت عليها النكباتُ والكبوات.
إن الأمة وهي على موعد مع حقبة جديدة من تاريخها بدأت بشائره تلوح، مطالبَةٌ باتخاذ تدابير الاستعداد ليكون أبناؤها شهداء على الناس، ومن أهم التدابير المستعجلة تعميمُ الخير والهدى القرآني بين الناس، وتنشئةُ الناشئة على حب الله تعالى ورسوله (ص) ودينه، وإكسابُ الأجيال القادمة مناعةً إيمانية وسلوكية من كل الشبهات والشهوات، تقِيهم من الانحراف والانجراف. لأنه بدون هذه المناعة يسهل الانقيادُ لكل ناعق، ويهون على المرء بيعُ دينه وقِيمه ووطنه وحتى جسده بأبخس الأثمان. وصدق الله العظيم حين يقول:”وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون “