إلى أن نلتــــــقي
د. عبد الرحيم الرحموني
قبل عقدين من الزمن تقريبا، كان بعض إخواننا في المشرق يتندرون بعبارة “مذبوح على الطريقة الإسلامية”، ويقصدون السمك، وأصل العبارة أن شركة غربية كانت تصدّر الدجاج المذبوح إلى بعض الدول في المشرق، فكانت الأكياس الحاملة لهذا الدجاج، تتضمن هذه العبارة. ثم إن هذه الشركة أضافت بعد ذلك -أو عوضت عنه- تصدير السمك، ومن ثم استعملت في تعليب هذه الأسماك الأكياسَ ذاتها الحاملة للعبارة نفسها، مما يعني أنه لم يكن هناك ذبْح ولا شريعة ولا هم يحزنون!!
كان هذا بالأمس، أمّا اليوم فكل يوم تطل علينا الأخبار بغرائب جديدة فيما يُقَدّم للناس من مأكولات ومشروبات، في المطاعم والمحلات، عندنا وعندهم، على حد سواء، من بيع لحوم الخيول مكان لحوم الأبقار، ووضع شرائح من لحم الخنزير مكان شرائح لحم الدجاج، فضلا عما تحتويه بعض المنتوجات من مكونات حيوانية تأتي مشتقات لحم الخنزير على رأسها.
آخر ما جادت به كف الإنتاج الحيواني -حسب ما ذكرته بعض المواقع الرقمية- “السمك الخنزير”، والمقصود الأسماك التي تربّى في أحواض خاصة، وتُطْعَم بلحم الخنزير. ونبّه بعض هذه المواقع إلى ما في هذا الفعل من خطورة على المستويين الشرعي والصحي، فمن الناحية الشرعية يعد هذا السمك وكأنه من “مشتقات الخنزير” وعليه فإن أكله حرام، وحذرت من تصدير هذا النوع من الأسماك إلى البلدان الإسلامية. وأما من الناحية الصحية فقد ذكّرت هذه المواقع بما عُرف بـ”جنون البقر” قبل سنوات، نتيجة إطعام البقر لُحوم أو عظام بني جلدتها، ولا يستبعد أن يظهر نتيجة ذلك “جنون السمك” أو “جنون الخنزير”، ليظهر نتيجة ذلك أيضا خطر ثالث هو الخطر الاقتصادي، الذي يبدو في البحث عن لقاحات وتطعيمات بالملايين، والتي تصرف فيها الملايين أيضا، وقد تكون غير نافعة هي الأخرى في الأصل، كما حدث مع لقاحات جنون البقر، وهكذا تهدر أموال الشعوب فيما هو غير جائز شرعاً، وفيما لا يعود على أبنائها بالنفع صحيا واقتصاديا.
إن هذا الحدث الغريب يدفع إلى التذكير أولا بمخاطر التدخل في البيئة بكل محتوياتها، وعدم المحافظة عليها كما فطرها الله، هذا التدخل الذي يعود بالدمار على بني البشر وظهور الفساد في البر والبحر والجو بما كسبت أيدي الناس في صحة الأبدان أوّلا، وفيما يحيط بهم من حيث عدم استواء البيئة، لينعكس ذلك على الخليقة كلها، جفافا وتصحراً، سيولا وفياضانات، تآكلا وانقراضا، أمراضا وأوبئة، كآبة وحُزنا، وهكذا.. ثم إلى التذكير ثانيا بأن أغلب البلدان الإسلامية مازالت عاجزة عن تأمين الغذاء والماء والدواء بشكل كامل لشعوبها حيث تلجأ دائما إلى الاستيراد مع ما يصاحب هذا الاستيراد من مخاطر يتجلى كثيراً في تقادم السلع وعدم استيفائها للشروط الصحية، مما يسبب أمراضا تحتاج إلى دواء، وأين الدواء؟ وهكذا تستمر الدائرة المفرغة دون انتهاء.
إن الشعار الذي كان قد رفعه “غاندي” الزعيم الهندي المشهور: “نأكل مما تنتجه بلادنا، ونلبس مما تنسجه أيدينا”، ورغم تغير الظروف الزمانية والمكانية سياسيا واقتصاديا، يبدو أنه مازال شعاراً نافعا، على الأقل في كثير مما نأكله ونلبسه ونفترشه، حتى نحافظ على صحتنا أولا، ثم على الكثير من أموالنا، التي تذهب هدراً لنراها تتكدس بعد ذلك في المزابل، في حين يعتصر العديد من أبناء جلدتنا أمعاءه من شدة الجوع.
إن “السمك الخنزير” ليس إلا وجها من هذه الوجوه التي ذكرنا، وإن كان وجها معقداً، ولذلك فإن فعاليات اجتماعية مدنية تدعو كل من يتصفح صفحاتها على الشابكة إلى أن يسهم في الدعوة إلى إيقاف هذا العبث بالمستهلك وبالبيئة!!
للتوسع، ينظر الرابط:
http://www.avaaz.org/fr/porkfish en fbc/?bwrITdb&v=22967