في سابقة قضائية من النوع الفريد، قضت المحكمة العليا في ولاية إيوا الأمريكية بأنه من حق أرباب العمل فصل الموظفات المثيرات واللواتي يتمتعن بجاذبية من شأنها أن تشكل فتنة لمن حواليهن. وحكم المحكمة جاء تأييدا لدعوى طبيب أسنان ضد مساعدته التي ظلت تسدد له ضربات إغراء متوالية بلباسها اللصيق بجسدها وحركاتها الفاتنة، وهي الحركات التي قال الطبيب عنها بأنها “تشتت الانتباه”. الشيء الذي أغضب زوجته ودفعه هو إلى فصل المساعدة من العمل، وقد اعتبرت الأخيرة هذا الطرد تعسفيا فقامت بمقاضاة الطبيب.
القصة من الواقع الحي وتناقلتها وكالات الأنباء العالمية، ولا حاجة لفرك العينين للاستيقاظ من كابوس لا يصدق، ولا يتعلق الأمر بدولة عربية إسلامية على وجه التحديد، ولا بحملة إرهابية متطرفة تقودها حكومة إسلامية من خلال درعها القضائي “الإرهابي”..
الجغرافية ببساطة كما أسلفنا هي أمريكا، وهي الحداثية الهوى، وولادة المراكز الدولية الأكثر تطرفا في استنبات القرارات المجافية للمنظومة الإسلامية. ومع ذلك -وللحقيقة والإنصاف- فقد جاء حكم المحكمة الأمريكية منطقيا جدا وبالمفهوم العلمي الصرف. ولا علاقة لما قلناه بموقف عدائي من المرأة، فالقاعدة الفقهية الإسلامية التي تقضي بأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، تلتقي مع المفهوم النفعي الغربي الذي لا شيء فيه يعلو على صوت المصلحة.
ولا حاجة لتكرار المقولات النسوانية الكلاسيكية التي تصدح طول الوقت بحق المرأة في أن تلبس ما تشاء وكما تشاء بل وتتعرى كما تشتهي، وأن الرجل هو الذي تقع عليه مسؤولية لجم غرائزه، والعيب فيه وفي هشاشته، وعدم قدرته على امتلاك نفسه، هذه المقولات -كما يظهر- تجاوزها واقع الأحداث الدولية لأن صحوة الشعور الديني بالغرب صارت هي المصدر الأصلي لهذه الفتاوى “العلمانية”، إذ تتناسل الصوامع وقبب المساجد بالغرب يوما عن يوم، ويتزايد عدد المحتجبات العاملات بالمرافق الخصوصية وحتى العامة، كما وتصدر الأحكام القضائية مؤيدة للمسلمات في اللباس والحركة وفق ما يقتضيه اعتقادهن، في الوقت الذي تستعير فيه حمى الحرب على الستر والعفاف في بلاد المسلمين!!!
ودون تفصيل أكثر، فشرح الواضحات من المفضحات دعونا نلج إلى كوامن وضعنا لهذه الأرضية في المقدمة، فقد هز قلوبنا وآلمها أشد الإيلام في الأيام الأخيرة، إقدام مجموعة من فتياتنا على إطلاق حملة للتعري على شاشة الفيسبوك تضامنا مع المتعرية المصرية علياء مهدي التي أعلنت رفضها لحكم إخوان مرسي للشقيقة مصر، وشفعت رفضها بالقيام بمجموعة من الخطوات الجنسية الاستفزازية على مواقع الإنترنيت، بما فيها التعري الكامل ولا حول ولا قوة إلا بالله!! وسارت على نهجها نساء الكيان الصهيوني فيالتعري الكامل تضامنا معها.
فهل رأيتم قرائي الأعزاء في حياتكم ولو لمرة واحدة ذئبا يتضامن مع عنزة دون أن يكون مبيتا للفتك بها!؟.
كما سجلت فتيات تونس انخراطهن في ربيع هذا العري الملغوم، وهي “وحدة العري الحالقة” في غياب وحدة الإيمان والسياسة والاقتصاد المرجوة عبثا.
ولعمري إنها لجبهات معادية للدين في جوهرها، وهي في سيناريوهاتها مبشرة بخراب العمران -كما قال العلامة ابن خلدون- إذ تنزل الداروينية الحيوانية بكل جاهليتها على إنسان “الحداثة”، وتعبد الطريق لضرب سيادة الدول الإسلامية من طرف الجهات الأجنبية الرافعة لشعارات الحقوق والدول الاستعمارية الكامنة وراءها.
ولن نمل من القول إن دور المؤطرين الدينين حاسم ويتوجب عليهم الهرولة لاستنقاذ أرواح أبنائنا دون ترهيب ولا تكفير، ولا استعلاء، وبطرق ابتكارية تسترد أبناءنا من هذا التيه.
كما أن الدعوة موجهة للحركة النسائية الرافضة لتشييء و”تعهير” المرأة المغربية الماجدة. ويجب أن تبذل كل طاقتها واستعداداتها لوقف هذا التجويف للمرأة المغربية، وتسطيحها، وإحالتها إلى مجرد سلعة لكل المتفرجين من المرضى عبر العالم الافتراضي. ولا حاجة للتذكير أن شعار “جسدي ملكي” الذي ترفعه هذه المجموعات النسائية من المستغفلات هو شعار فاسد في أساسه لأن التعري يهتك الخصوصية والملكية الخاصة ويبيح تملك الجسد لمن هب ودب ولو عبر النظر “المريض طبعا”.
وأمام هذا الهول القاصم الذي يمس عفة كل المغاربة، لا نملك إلا أن نسأل الله اللطف ونشد على قلوبنا من فداحة هذا الانحسار المدوي للإيمان باعتباره قرينا للحياء كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الإيمان والحياء قرناء فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)).
ومع ذلك نقول بكل تفاؤل -وبمقتضى السنن الربانية الحكيمة- إن ربيع العري النسائي هذا ليس إلا مقدمة لخريف ذوبان الهوية لا قدر الله، يعلن زوال عتمته وإفلاس مسوخه، وانبجاس فجر الحياء والعفاف من جديد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.