عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفة أن يصيب أحدا من المسلمين منها شيء<(متفق عليه) قال النووي رضي الله عنه : فيه هذا الأدب وهو الإمساك بنصالها عند إرادة المرور بين الناس في مسجد أو سوق أو غيرهما، والنصول والنصال جمع نصل وهو حديدة السهم، وفيه اجتناب كل ما يخاف منه ضرر(1)، وفي هذا قال جابر رضي الله عنه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعاطى السيف مسلولا”(2). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:>المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام، عرضه وماله ودمه، التقوى ههنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم<(رواه الترمذي وقال : حديث حسن)، قال في تحفة الأحوذي : “المسلم أخو المسلم” أي فليتعامل المسلمون فيما بينهم.. معاملة الإخوة، ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال.
>كل مسلم حرام : عرضه< قال الجزري : العرض موضع المدح والذم من الإنسان >التقوى هاهنا< فمن كان في قلبه التقوى لا يحقر مسلما”. >بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم< أي حسبه وكافيه من خلال الشر ورذائل الأخلاق احتقار أخيه المسلم(3). وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله. التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه<(رواه مسلم). “والتدابر” : أن يعرض عن الإنسان ويهجره ويجعله كالشيء الذي وراء الظهر والدبر. وقد جاء في رواية عند المسلم أيضا : >ولا تحسسوا ولا تجسسوا< قال بعض العلماء : التحسس بالحاء الاستماع لحديث القوم، وبالجيم البحث عن العورات،… والجاسوس صاحب سر الشر، والناموس صاحب سر الخير(4).
إن الابتعاد عن المنهيات الواردة في هذا النص هي من تمام تعظيم حرمات المسلمين، وقوله : “ولا تناجشوا” قال في النهاية : هو أن يمدح السلعة لينفقها.. أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها ليقع غيره فيها، والأصل فيه تنفير الصيد من مكان إلى مكان. وقال ابن قتيبة : النجش الختل والخديعة، ومنه قيل للصائد ناجش لأنه يختال الصيد(5). وكان رجل فيه ضعف أي في رأيه وكان يبيع، وأن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله أحجر عليه. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه، فقال : يا رسول الله إني لا أصبر عن البيع، فقال : >إذا بايعت فقل هاء وهاء ولا خلابة<(6). أي لا خديعة وهذه هي أخلاق المسلم في بيعه وشرائه لاعتقاده أن الرزق لا يجلب بالخديعة، ولكن بتقوى الله في خلق الله. قال تعالى : {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} ولأن الاشتغال بالتجارة هو سبب لطلب الرزق فقط أما حقيقة الرزق فهي عند الله. قال تعالى : {وفي السماء رزقكم وما توعدون}. فعلى المسلم أن يركب أحسن وسيلة للوصول إلى أفضل غاية.
ذ. عبد الحميد صدوق
———
1- شرح صحيح مسلم ج 16 ص 158
2- رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح.
3- تحفة الأحوذي ج 6 ص 38
4- شرح صحيح مسلم ج 16 ص 111
5- تحفة الأحوذي 4ص 385
6- رواه الترمذي وقال حسن صحيح غريب.