يسود الاعتقاد بين جل المواطنين أن أبواب التسيب أو بالمصطلح الدارج السيبة انفتحت على مصراعيها بفيح وفحيح من لهيب حارق لَحِقَ كل المواطنين، وأن هناك مساحة فراغ مفزع على كل المستويات يغتنمها المنحرفون بشكل يدعو إلى الذهول، وإذا كان هناك من تدابير استعجالية فإن كافة المسؤولين وعلى كل المستويات يجب ان يجلسوا إلى مائدة الحوار لتبادل الخبرات والتجارب حول أنجع السبل للإحاطة بهذا السيل العارم من الجرائم وإلا فحكاية الثيران ليست عنا ببعيدة. وكما يعرف أحبابنا القراء في الحكاية العربية المعروفة، فقد أسلم الثور الأسود والأحمر والأصفر والأبيض القياد للأسد بعد موت راعيهم الفيل وسألوه أن يكون حاميهم الجديد، وهلل الأسد للغنائم التي قدمت إليه على طبق من ذهب، وبالحيلة تلو الحيلة الاستدراجية أكلهم جميعا وكانت فاتحة الجحيم ذهنية “أنا وبعدي الطوفان” التي جعلت الثور الأسود (وكان بالمناسبة مستشار الأسد) يقبل أن يؤكل إخوته الثيران تباعا الأبيض فالأصفر فالأحمر، وأخيرا وحين خلت الأجواء للأسد حاصر الثور الأسود وقبل أن يفترسه قال الثور الأسود مقولته تلك التي غدت لازمة كل من لا يحسن تقدير عاقبة الليالي ويدفع الشر عن نفسه على حساب أهله وعشيرته، دون أن يفطن إلى أن من يحفر حفرة للآخرين لاشك هو واقع فيها وكما تدين تدان. وبصيغة أخرى فإن هذا اللهيب الإجرامي يتمدد داخل جغرافيات المغرب كلها من أسفل الهرم إلى أعلاه. ومن تطالعه على سبيل الذكر صور رجال الأمن ورجال السلطة وهم بالضماد أو طريحي أسرة المستشفيات لا يمكن إلا أن يقبض على قلبه ويتساءل برعب: ترى على من الدور؟؟؟ فهذه الجرأة النوعية التي جعلت أذى المجرمين يصيب حتى حماة الأمن وتدبير الشأن الترابي للبلاد أمر جد خطير، ويدعو إلى تدابير استعجالية وإلى استخدام الزر الأحمر ودق ناقوس الأزمة الكبرى!! ودون تهويل أو تضخيم فإن الدول المتحضرة التي تحرص على استدامة أمنها وسلامها لضمان تواصل خطها الحضاري تتداعى مع كل جريمة نوعية تخلخل الثوابت الاجتماعية والحضارية لدولها إلى رصد حيثيات تلك الجريمة بلم شمل باحثيها وعلمائها في التربية والإجتماع والقانون والسياسة وغيرها من المجالات ذات العلاقة بالحادثة، وتشبعها تقليبا للخروج بالخلاصات الأنجح لمحاصرة تلك الجريمة حتى لا تستحيل إلى ظاهرة تهدد المجتمع بالانهيار. فماذا أصابنا نحن وأيادينا المكتوفة وأعيننا المتكلسة وقلوبنا المختوم عليها تشهد هذه المنكرات ولا تكاد تسمع لها ركزا : رجل يذبح عشيقته بعد طرد زوجته.. رجل يرمي بعشيقته من شاهق لدى سماع طرق زوجته للباب.. ابن يذبح أباه ذبح البعير.. أب يعاشر ابنتيه معاشرة الأزواج تحت التهديد.. رجل يرمي زوجته وابنتيه من الطابق العلوي لعمارة.. تلميذان يغتصبان أستاذتهما بعد أن وثقت بهما وركبت معهما ليوصلاها إلى بيتها فأوصلاها إلى الخلاء ليعتديا عليها وهي التي حسبت أنهما سيوفيانها التبجيل وآمنت بقول الشاعر: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا فوفياها تعنيفا وامتهانا وتنكيلا.. فهل يا ترى نحن أمام فراغ أمني كما جاء في مقدمة مقالنا أم نحن كما نقول دائما أمام فراغ ديني وتربوي وأخلاقي؟؟. إن من لا يخاف الله لا يمكن ان يخاف من البشر مهما تضافرت السواعد والجهود وتفتقت العبقريات الأكثر صرامة في ردع المنحرفين والمفسدين، لسبب واحد أوحد وهو أن أولئك الذين يستولي عليهم الشيطان في لحظة غضب أو عوز وحاجة أو فرعنة لتلبيس شيطاني، تتقمصهم روح شيطانية تدفعهم إلى ابتكار أشد أنواع التحايل على القانون والأنظمة السائدة لارتكاب أعمالهم، وقد صرح أحد المعتقلين عقب عملية سرقة متقنة أنه راقب عملية نشل احترافية بالتلفزيون فطبقها بالحرف وغطى الكاميرا لإبطال تشغيلها وتفرغ لفعلته بكل طمأنينة وهدوء. ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد حكى لي سائق سيارة أجرة قصة زميل له في الحرفة تم تجريده من حصيلة كده طيلة يومه بطريقة ماكرة أقرب إلى الخيال في حبك ونسج خيوطها، فقد كان الوقت ليلاحين استوقفه شاب وشابة يبدو عليهما من ملامحهما أنهما قريبي عهد بالزواج وكانت هي تلبس القميص الأبيض الفضفاض والشبشب المغربي النحاسي الصقيل وتشير بأصابعها المخضبة بنقوش الحناء، في حين كان هو بوجهه الحليق يلبس بدلة أنيقة وحداء ملمعا ويمسك خطيبته من دراعيها بحب يحيل على لقطات المسلسلات التركية، الشيء الذي جعل سائق سيارة الأجرة يقف بكل ممنونية ليقلهما إلى وجهتهما، وما إن استوت الشابة في مكانها وابتعدت السيارة عن الراجلين حتى أحس سائق السيارة بوخز في خاصرته فالتفت إلى المصدر ليجد سكينا حاد الذؤابة تحمله العروس المصون وتهدد به السائق “المغرر به” الذي سارع في ذهول تام إلى إفراغ عرقه بين يدي اللصة العروس، وحين نزل اللصان من السيارة يحلف السائق أنه رآها وهي تركض وقد شمرت قميصها وجلبابها وسبقت شريكها في العدو بشبشبها قبل أن يتواريا عن ناظريه..!! وغير بعيد عن روح هذا المقال، ففي الأسبوع الفارط تابعت عبر موقع يوتيوب حوارا أجراه موقع أدبي مع أديبة وصحفية مغربية، وقد اتفق المحاور مع ضيفته على أن المسحة التخليقية داخل فسطاط الأدب، ليست من مهام الكاتب (هكذا). وللحقيقة فأسلوب الكاتبة جذاب ومتميز إلا أن المؤلم في كتاباتها تلك هو مسحتها العلمانية التي جعلتها على سبيل المثال في مقال لها كتبته حول صديقة لها أصيبت بالسرطان تصف مصابها بالقدر الأخرق هكذا أي والله (القدر الأخرق) كما يتضح في كتابات أخرى لنفس الكاتبة رفضها الصريح للنص القرآني في مجال الأسرة على وجه الخصوص، ولم تكن آراؤها إلا رجع صدى لكتابات علمانية تستوطن فضاء الصحف والمواقع وتنحت الرأي العام في اتجاه تجريده من الحس الديني وتغييب النبض الروحي في سلوكاته ومعاملاته بحجة محاصرة الإرهاب والتطرف والقضاء على الفكر الظلامي. فكيف يمكن الإحاطة بهذا السيل من الجرائم وقد بهت الشعور الديني واتخذ الناس كتاب الله مهجورا.. كيف تروض الأحكام والسجون من يجعل الله أهون الناظرين إليه وهو يحتنك فلذة كبده ليبذر فيها بذرة الحرام أو يضع حدا لمن جعل الله البر به جسرا إلى الجنة حرقا او ذبحا، وبصيغة أوضح كيف يعود للمجتمع المغربي أمنه وسلامه ونحن أمام كبار سرقوا للأمة دينها وباعوا شرفها أخلاقها ولا يزالون يسرقون كل ما تصل إليه أيديهم حتى حبات الرمل ويتاجرون بأرواح المواطنين ويرمون بهم في جحيم المخدرات أو في جحيم الدعارة أو طعما للبحر بتغريرهم بوعود الهجرة الكاذبة أو بالمصيبة الأكبر، اغتنام حاجتهم لإشباع غريزة حيوانية والاعتصام بالحصانة البرلمانية للخروج من جريمة إيذاء المستضعفات خروج الشعرة من العجين. في الأسبوع الفارط كتب الصحفي عبد الله الدامون مقالا مريرا حول التناسل المهول للجريمة واستحالة البلاد إلى غابة مرعبة من قطاع الطرق والقتلة ومحترفي جهاد الخناجر والسيوف في بني جلدتهم من الصغار والكبار وشدد على قصاص الإعدام لردع زحف السيبة. فمن يستطيع أمام هذا التفريخ الهائل لعوامل زعزعة أمن واستقرار البلاد أن لا يشاطر الصحفي عبد الله الدامون رأيه؟! طبعا مع استحضار النظرة الشمولية لمصادر أوجاع المجتمع من تهميش وفقر ومظالم لا تني تتعاظم وقديما قال الحكماء المغاربة : “قال ليه أباك طــاح قال ليه من الخيمة خــرج مــايــل”.
ذة. فوزية حجبي