الراحلون إلى دار البقاء كل يوم من الرجال والنساء، والصغار والكبار كثير، لكن رحيلهم يختلف من شخص إلى آخر، فهناك مقبل ومدبر، وهناك مثَبّت ومُضَل، وهناك وهناك، قال تعالى : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة، ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء} وقال جل شأنه : {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة} وقال سبحانه: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الاخره}. ولقد شهد مساء يوم الأحد 23 صفر الخير 1434 رحيل رجل من أمة الإسلام اسمه عبد الواحد بن عبد الرحمن من دار الفناء إلى دار البقاء، وقد تمنيت لو كنت مكانه لما رزق من التثبيت، ولما مات عليه من حسن الخاتمة فيما نُرى ولا نتألى على الله جل وعلا!! هو رجل من عامة المسلمين، لا يملك مالا ولا جاها ولا منصبا، ليس من العلماء ولا من الأغنياء ولا من الساسة والزعماء، هو واحد من عامة الناس!! هو ممن إذا غاب لم يفتقد، وإذا حضر لم يعرف، أي إنه ممن لا يسأل عنه في غيبة ولا حضور. حضره أجله فعرف ذلك، وجهله كل الحاضرين! صلى العصر، واستدعى أهله: زوجه وأولاده وأقاربه وودعهم وأوصاهم.. أرادوا أن يأخذوه إلى المستشفى فرفض، وأرادوا أن يُحضروا له الطبيب فأقسم عليهم، وكان على يقين أن الموت زائر حل بساحته، وظل يردد الشهادتين من العصر إلى المغرب. تيمم وصلى المغرب، ونزل من فراشه المتواضع جدا إلى الأرض، وطلب من الحاضرين ألا يتكلموا بغير الشهادتين، وطلب أن يخلط الماء الذي يغسل به بماء زمزم الذي يحتفظ به منذ أربعة وعشرين عاما.. استمر على الشهادتين، وطلب أن يجعل إلى القبلة.. وبعد لحظات فاضت روحه، وانتقل إلى ربه!! هذه الخاتمة الحسنة يتمناها كل شخص، لكن ما السر في إدراكها؟ وما السبيل إلى بلوغها؟ نظرت في سيرة هذا الرجل وتاريخه فإذا هو رجل تميز بأمور، أذكر منها: – أنه كان زاهدا في الدنيا، فهو لم يملك أرضا ولا عقارا، ولم يكن بيده قبيل وفاته من المال سوى ثلاثمائة درهم. – أنه كان يرفض الخروج من بيته في غير أوقات الصلاة متعللا بأن مجالس الناس اليوم تتميز بالغيبة. – أن لسانه كان رطبا بذكر الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. – أنه لم يخاصم أحدا في حياته قط ولم يحقد على أحد. وفقنا الله وإياكم إلى أحسن الأعمال، ورزقنا الله وإياكم حسن الخاتمة.