ذ. محمد الصباغ
القرآن الكريم آية من آيات الله
إن لله عز وجل في ملكه آيات كثيرة، تدل على وجوده ووحدانيته وقدرته سبحانه على كل شيء {إن الله على كل شيء قدير} وهذه الآيات على قسمين: كونية وتنزيلية : فالكونية تظهر للجميع بالعين المجردة في الأرض وما فيها من تضاريس وبحار ومحيطات، ومخلوقات بشرية وحيوانية ونباتية… كما تظهر في السماء أيضا كالشمس والقمر والنجوم والمجرات… قال تعالى: {إن في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}(البقرة : 163).
وأما الآيات التنزيلية فهي الكتب المنزلة على رسله عليهم السلام. فما خلت أمة من الأمم إلا وأرسل الله لها رسولا يبشرها وينذرها باللغة التي يعرفونها. قال تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}(فاطر 24) وقال {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}(إبراهيم : 5) وقد خص الله تعالى كل رسول بمعجزاته، فكانت آخر معجزاته عز وجل لخاتم أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وسلم، هي القرآن الكريم، الذي تحدى الله به العرب والعجم. على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور أو حتى بسورة واحدة من مثله، فقال: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن ياتوا بمثل هذا القرآن لا ياتون بمثله ولوكان بعضهم لبعض ظهيرا}(الإسراء 88). إن المسلمين جميعا يومنون بالقرآن كما يومنون بالكتب المنزلة التي نسخت بالكتاب الخاتم الخالد. قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}(المائدة : 50) وفي الحديث الذي رواه مسلم والإمام أحمد ،أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يومن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)).
قراءة القرآن عبادة
إن عبادة المسلم لله عز وجل تكون بما هو واجب عليه منها كالصلاة والصيام والزكاة والحج وكل معلوم من الدين بالضرورة.. وتكون بما هو تطوعي منها أيضا كالنوافل والصدقة والذكر وتلاوة القرآن ، والعمل بآيات الخطاب، مباشرا كان كقوله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..}(الحجرات: 13) أوعاما كقوله سبحانه {يا أيها النبيء قل لأزواجك وبناتك ونساء المومنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يوذين}(الأحزاب 59) وتلاوة القرآن حفظا أو من المصحف الكريم، مأمور بها أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أمر بذلك في قوله تعالى على لسانه عليه السلام : {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن}(النمل : 93- 94) فالمسلمون إذن مأمورون بما أمر به نبيهم، وتلاوتهم للقرآن عبادة وعِزُّ لهم في الدنيا، وأجر وثواب لهم في الآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأوا القرآن فإنه يجيء يوم القيامة شفيعا لصاحبه))(رواه مسلم). فقراءة المسلم للقرآن من أفضل الأعمال وأجل أنواع الذكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن أقول ألف حرف ولام حرف وميم حرف))(رواه الترمذي) وقال : حديث حسن صحيح، وقال عليه السلام : ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))(رواه البخاري).
آداب تلاوة القرآن والتبعد به
ويجب على قارئ القرآن أن يتحلى بآداب القراءة كي يكتب له ثوابها، منها :
- ألا يقرأه إلا وهو على طهارة ولا يجوز قراءته للجنب ولا للحائض أوالنفساء، وقد رخص بعض العلماء لهاتين الأخيرتين قراءته حفظا إن خشيتا نسيانه.
- كما لا يجوز إدخال المصحف أو جزء منه إلى الأماكن القذرة أو قراءته فيها.
- ومن تعظيم المسلم لكتاب الله، الإنصات لتلاوته، قال تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}(الأعراف : 204).
- وأن يقرأه بتأن، فلا يسرع في القراءة، ولا يرفع صوته عاليا، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: “الجاهر بالقراءة كالجاهر بالصدقة” إلا أن يكون في الجهر بها فائدة مقصودة، كحمل الناس على القيام بها، وتشجيعهم على فعلها وتلاوة القرآن كذلك، وعلى من أكرمه الله بحفظ القرآن أن يحافظ عليه بالتلاوة والتكرار، ومن فرط فيه وأضاعه فهوآثم لا محالة.
- العلم والعمل به والاجتهاد في التخلق بأحكامه وآدابه.
- تعليمه وتبليغه وتداوله.
قراءة القرآن وقاية ونجاة
إن المسلم الذي يخاف على نفسه من غضب الله وسخطه وعذابه، يكون دائما يقظا وعلى حذر من الوقوع فيما لا يرضي الله من الصغائر التي تجره إلى الكبائر، إن هو تساهلها وظن أنها ليست من المهلكات، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة ((إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالبا))(رواه النسائي وإبن ماجة) وليعلم الإنسان أن كل ذنب ارتكبه إلا وكان وراءه الشيطان، الذي جند نفسه للدفع بأبناء آدم إلى التهلكة، مقسما على ذلك بقوله: {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}(الأعراف : 16) إن الشيطان عدو للإنسان باق إلى آخر الساعة، لذلك يجب أن يُتَّخذ عدوا، قال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم))(متفق عليه). وكلما ابتعد الإنسان عن ربه تسلط عليه الشيطان، قال تعالى : {ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهوله قرين}(الزخرف:35) وقد قال ابن القيم رحمه الله، معاتبا قرين الشيطان: ويحك يا ابن آدم لوعرفت قدر نفسك ما أهنتها بالمعاصي ، لقد لعن الله إبليس، لأنه لم يسجد لك وأنت في صلب أبيك آدم ، فكيف تصالحه وتترك طاعة من رفع قدرك عليه؟. إن الوقاية من هذا العدو تكون بقراءة القرآن الذي هوسلاح المؤمن يملكه الفقير والغني والذكر والأنثى، وهو نعمة من الله لعباده الصالحين، فلا يباع في السوق السوداء ، أو بالمزايدة العلنية حتى يكون من نصيب الأغنياء دون الفقراء، فقراءته وحفظه والعمل به ميسر للجميع، وهو وقاية من شر الإنس والجن، قال تعالى: {وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} لأن قراءة القرآن تذهب ما يلقيه الشيطان من وساوس وشهوات محرمة يزينها للإنسان، ومتى قام بها وفعلها هذا الأخير ، قفر اللعين بعيدا عنه وتبرأ منه.
القرآن الكريم شفاء
إن الاستشفاء بقراءة القرآن، من أجل تعافي المريض أوالمصاب بداء ما كمس الجن أو لسع الحشرات السامة، وارد في كثير من الآيات، من ذلك قوله تعالى: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته آعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}(فصلت 43) وقوله : {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمومنين}(الإسراء: 82) وورد في الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: “انطلق نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، ولم ينفعه شيء، فقال بعضهم: لوأتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعل أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء ولم ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفنا كم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لي جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ الفاتحة، فكأنما أنشط من عقال، فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه.. (ورواه أيضا الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وأبوداود والنسائي).
ولاشك أن الوقاية والعلاج بالقرآن الكريم والأدعية النبوية والأذكار الصحيحة، لا تلبى لطالبها إلا إذا كان مومنا تقيا طائعا لله عز وجل، قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}(الطلاق : 2- 3). وحينما لا يحصل الشفاء فاعلم أن ذلك راجع إلى ضعف تأثير الفاعل في الداء، لأن الفاعل إذا كان لم يتق الله في نفسه، ولم يتحاش الذنوب والمعاصي، فإن رقياه للمصاب قطعا لا يستجاب لها. وفي الحديث أن أبا هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المومنين، بما أمر به المرسلين فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم…} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعت أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له))(رواه الإمام مسلم).