عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة”(رواه الترمذي وقال : حديث صحيح) قوله : “يريبك” هو بفتح الياء وضمها، ومعناه : اترك ما تشك في حله، واعدل إلى ما لا تشك فيه.
إذا أشرق الإيمان بأنوار الصدق أثمر أخلاق الورع والتوقي في سلوك صاحبه فيترك ما يشك فيه إلى ما لا يشك فيه، طلبا للسلامة يوم الندامة، يقول أبو يوسف الغسولي(1) : أنا أتفقه في مطعمي من ستين سنة(2).
لا بد للمسلم أن ينظر من أي شيء يتبلع، إذا كان حقا مصدقا بيوم المال فيه لا ينفع، قال بشر الحارث : ينبغي للرجل أن ينظر خبزه من أين هو؟ ومسكنه الذي يسكنه أصله من إيش هو؟ ثم يتكلم.
نعم ثم يتكلم لأن مقارفة الحرام لجام يمنع فصاحة اللسان وطلاقة الكلام، فقد كان كبار الوعاظ يعتبرون البر الذي هو ثمرة الصدق في طلب الحلال، قال شعيب بن حرب : البر عشرة أجزاء تسعة في طلب الحلال.
وكلما ازداد علمك اشتد حسابك أخي المسلم، قال الفضيل رحمه الله تعالى : وقد أشار إلى قصر أم جعفر بمكة فقال : يغفر الله لصاحبة هذا القصر سبعين مرة، من قبل أن يغفر لي مرة هي تعمل السيئ بجهل، وأنا أعمله بعلم.
ويعكس لنا سيدنا أنس صورة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مِرْآة بيانه فيقول : إنكم لتعملون أعمالا أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبيقات(3).
———
1- هو يعقوب بن المغيرة ثقة كان لا يأكل إلا الحلال المحض
2- كتاب الورع للإمام المروزي
3- رواه البخاري.