عذرا مراكش! عذرا أيتها المدينة الجميلة، والعاصمة الرائعة!.
عذرا أمير مراكش الناصح، ووليها الصالح: يوسف بن تاشفين!.
عذرا إمام مراكش الكبير، وحافظها الجليل، وفقيهها الذي لا يجارى، وعالمها الذي لا يبارى.
عذرا رجال مراكش السبعة، بل السبعين، بل السبعمائة بل أضعاف ذلك!.
عذرا مراكش: فأنت قلعة الرباط، ومركز الجهاد، ومدينة العلماء، وعاصمة الفقهاء، ومجمع الزهاد والعباد، وملتقى الأولياء والأصفياء!.
عذرا مراكش! فإن ما جرى ويجري على أرضك انتقام من تاريخك المجيد، وماضيك التليد، لكن ثقي أن عقودا من الشر لن تغلب قرونا من الخير، “بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق”.
عندما تطأ قدماي تربتك الطاهرة، وأرضك النقية، ينتابني شعور غريب، وإحساس عجيب، يحاصرني تاريخك الممتد المشرق، وأرى من بعيد صولاتك في العلم والجهاد، أرى العلم يتفجر في كل مسجد، ومن كل زقاق، أرى النخوة والرجولة والشهامة، أراها هناك هناك في العلياء مرفرفة بأجنحة بيضاء، تتحدث عن الأدلس وجنوب الصحراء، فأستصغر النفس، وأحتقر الواقع، وأشعر بالذنب، وأحس بالألم، وتدمع العين أسى وحسرة على ما آل إليه الأمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.
لعل بعض من يقرأ اعتذاري المتكرر لمراكش يتعجب أو يستغرب، ولعل آخر يقول: لقد أكثرت يا هذا، ولعل غير هؤلاء يقول شيئا آخر، لكل هؤلاء ولغيرهم أقول: لا تعجلوا علي، فإني ما أديت مراكش حقها ولا جزءا من ذلك، ولا تلومني، فقد كان من هو أعلم مني يقدر مراكش ويعرف فضلها خيرا مني، وهاكم موقفين دالين معبرين، لعالمين عظيمين، كانا بين أظهرنا إلى وقت قريب، أحدهما تونسي، هو الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، والآخر مغربي هو الأستاذ الكبير محمد المنوني رحمهما الله تعالى، أخبرني بهما أحد الأحبة من أهل مراكش سماعا من الأستاذ أحمد متفكر.
- موقف محمد الطاهر بن عاشور:
كان العلامة الكبير محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله إذا حل بمدينة مراكش، يخلع حذاءه عند باب الجديد (المامونية) ويسير حافي القدمين إلى ضريح الفقيه الأجل، القاضي عياض رحمه الله، تعظيما وإجلالا له ولإخوانه من العلماء والصلحاء.
- موقف العلامة محمد المنوني:
وأن الأستاذ الكبير محمد المنوني رحمه الله كان يقول: أتمنى أن أموت بمراكش، وأدفن بعتبة الإمام أبي العباس السبتي، من باب قوله تعالى: وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد”!
فهل بلغت الرسالة؟ أم إن الأمر يحتاج إلى زيادة إيضاح وبيان؟
وعذرا مراكش!