صعدت روحه الطاهرة آمنة مطمئنة في حواصل طيور خضراء تحفهم ملائكة الرحمن تزفه شهيدا عند عرش الملك الديان ذلك هو قائد كتائب القسام أحمد الجعبري (أبو محمد). ترجل المجاهد البطل بعد سنوات عطرة قضاها بين محاريب المساجد قائما قانتا لربه ومحاريب الجهاد دفاعا عن كرامة المقدسات الإسلامية نيابة عن أمة بكاملها. كان الشهيد أبو محمد قائدا ميدانيا بطلا محنكا أربك مخططات العدو ودوخه لسنوات طويلة حتى صار المطلوب رقم واحد لديهم لسنوات.
لم تكن له أماني كبيرة وأطماع عريضة كما لقادة هذا الزمن الرديء، كلها ثلاث أمنيات ادخرها الشهيد للقضية التي عاش من أجلها إرضاء لربه فجعلها تأشيرة مرور لجنة عرضها السماوات والارض يلقى فيها الأحبة محمدا وصحبه إلى آخر شهيد سقط دفاعا عن عرض وأرض هذه الأمة.
أول هذه الأمنيات تأدية مناسك الحج هذا العام.
ثم ثانيها تحرير الأسرى من سجون العدو
وبعدها الاستشهاد في سبيل الله.
فكان له ما تمنى إذ صدق الله فصدقه الله، فتمت له حجة مبرورة هذا العام، ومن قبلها خطط ودبر لعملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط والتي توجت باستبداله بألف وسبعين أسيرا فلسطينيا مع “مرمطة”مستحقة لحكومة العدو، أما الثالثة فقد لقي ربه شهيدا عندما باغته صاروخ غادر وهو في سيارته متنقلا بين صفوف المقاومين…
تحكي زوجته ورفيقة دربه الجهادي عن آخر عهدها به وتقول : “لم أجد مثله تمنيا للشهادة ذلك اليوم فأعطاه الله إياها في أجمل الأوقات…. فهنيئا لك الشهادة يا أبا محمد”. وتضيف قائلة : ” طلبت منه صبيحة ذلك اليوم ألا يخرج -وقد بدأ القصف الصهيوني- فالتفت إليها مبتسما وقال في يقين :”إن أنا استشهدت فأنا في نعمة كبيرة بهذه الشهادة في هذا الوقت” ثم خرج وهو” أكثر فرحا يومئذ من فرحه يوم عرسه” تضيف زوجته. وفعلا ترجل المجاهد البطل ولبى داعي ربه شهيدا طاهرا في أكفان من حرير وديباج…. تقول زوجته أم محمد : “لقد اصطفاه الله عز وجل.. لقد رأيته لحظة وداعه يرفع السبابة ويمسك المصحف…رأيته يبتسم لي….”.
وأنا أتأمل هذه الخاتمة المباركة لهذا الشهيد المبارك، تذكرت خاتمة مشابهة لشهيد مبارك آخر في غزوة أحد. عرف هذا الشهيد في السيرة باسم حنظلة الغسيل، إذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل من كان حوله من الصحابة وهو يقف على جثة الشهيد الطاهر : “ما شأن حنظلة؟ إن صاحبكم لتغسله الملائكة”. فلما سئلت زوجته جميلة بنت عبد الله بن أبي عن ذلك قالت : “لقد سمع صيحة الحرب فخرج مسرعا ولم يتأخر للاغتسال”. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم معلقا على ما سمع : “لذلك غسلته الملائكة. لقد رأيت الملائكة تغسله في صحائف الفضة بماء المزن بين السماء والأرض”.
وما أدرانا أن الشهيد أحمد الجعبري هوالآخر غسلته ملائكة الرحمان إكراما له، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا .رحم الله جميع شهدائنا الأبرار وألحقنا بهم شهداء محتسبين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.