بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الفضيلة
أصحاب المعالي
حضرات السادة والسيدات كل باسمه وصفته
أيها الحضور الكريم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته يسعدني ويشرفني أن أحضر افتتاح المؤتمر العالمي الأول للباحثين في السيرة النبوية المنظم من قبل مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)في موضوع:>جهود الأمة في خدمة السيرة النبوية< أيها السادة إن الإسلام هو النور الذي يضيء لنا الطريق في السير إلى الله و هو أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده ولو نزعت كل النعم من المسلم وبقيت نعمة الإسلام لكفى بها نعمة.
وهو الدين القيم الذي فيه صلاح البلاد والعباد، وهو أعظم المنن التي منّ بها الكريم الوهاب، وتكفل لمن سلكها بسعادة الدنيا والآخرة.. والقرآن الكريم هو كتاب الله وكلامه أمر نبيه والأمة بالتمسك به؛ لأن فيه عز الأمة وشرفها ومجدها وسؤددها ونصرها، فما زالت الأمة الإسلامية قوية الجانب مهابة من قبل الأعداء، ما دامت متمسكة بالقرآن الكريم وهدى النبي صلى الله عليه وسلم. والسنة النبوية كمصدر ثان للتشريع الإسلامي أهمية كبرى في حياة وسلوك المسلمين لأنها تهديهم إلى الطريق المستقيم وتوجههم إلى أفضل السبل لكسب الدنيا والآخرة. ولقد بدأ تاريخ الأمة الإسلامية بالسيرة النبوية الشريفة، فهي أول تطبيق عملي للدين الإسلامي عقيدة وشريعة وأخلاقاً وسلوكاً، ولذلك اهتم المسلمون بسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم اهتماما كبيرا وما تقوم به اليوم مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، من خلال هذا المؤتمر العالمي، ما هو في الحقيقة إلا خطوة من الخطوات المتجهة نحو هذا الهدف المنشود في خدمة السيرة النبوية. والسيرة النبوية تعني مجموع ما ورد لنا من وقائع حياة النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته الخُلقية والخَلقية وهي السبيل إلى فهم شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، من خلال حياته وظروفه التي عاش فيها. فقد جعل الله تعالى الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم قدوة للإنسانية كلها، حيث قال سبحانه: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}. ولا شك أن السيرة النبوية هي أول تطبيق عملي للدين الإسلامي عقيدة وشريعة وأخلاقاً وسلوكاً، ومن ثم فان تاريخ الأمة الإسلامية يبدأ بها، ولا يمكن للدين أن يكتمل ولا للشريعة أن تتم إلا بأخذ السنة جنباً إلى جنب مع القرآن باعتبارها التطبيق العملي لما جاء في القرآن كما تؤكد على ذلك عدد من الآيات القرآنية الكريمة ومنها قول الله تعلى في كتابه الكريم : {يـا أيـها الذين آمـنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً} {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب} {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا} {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً} {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} صدق الله العظيم وتعتبر السيرة النبوية من أعظم العلوم أهمية في حياة الأمة الإسلامية لأنها تمثل الصورة العملية التطبيقية للإسلام ولذلك اهتم العلماء المسلمون عبر التاريخ بالسيرة النبوية الشريفة وعملوا على البحث في كل جوانبها ومن ثم كان لها حضور في كتب التاريخ والأدب و التفسير والحديث والفقه. ومع مرور الوقت أصبح للسيرة النبوية علم خاص بها وهو علم السيرة كعلم مستقل يهتم بكل ما يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم. وفي العصر الحديث، اهتم العلماء والمفكرون بالسيرة النبوية اهتماماً بالغاً، حتى أن بعضهم تخصصوا في مجال واحد من مجالات السيرة - كالجانب الفقهي،، أو السياسي، أو الجهادي، أو القيادي، أو الإداري، أو الأخلاقي، أو الحضاري....... إن اختيار موضوع "جهود الأمة في مجال خدمة السيرة النبوية " من قبل مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) قد شاء الله أن يأتي في خضم التحولات الثقافية والحضارية والفكرية المتفاعلة محليا وعربيا وإسلاميا ودوليا، تعتبر فيها البشرية في أمس الحاجة إلى نموذج ابن آدم المثاليِّ الكامل، والرسول الله صلى الله عليه وسلم هو ذلك النموذج بدون جدال، ومن ثم فهي فرصة لاستحضار واستلهام القيم والمعاني السامية التي تحبل بها السيرة النبوية العطرة، والعمل على تمثلها وتملكها الصحيح واستثمار مختلف الوسائل للتعريف بنبل غاياتها ورقي مقاصدها ومكانة الصدارة التي بوأتها السيرة النبوية لقيم التسامح واليسر والانفتاح على الآخر وتعريف الأجيال الحالية والقادمة بالمحطات والمواقف الكبرى للسيرة النبوية، كما أن الهدف الذي سعت إليه مؤسسة مبدع والمتمثل في تبيان خلاصة جهود الأمة في مختلف مجالات خدمة السيرة النبوية، وتأسيس أرضية للانطلاق إلى مختلف آفاق الخدمة في المستقبل، مع إتاحة الفرصة للباحثين في المجال، كي يتعارفوا، ويتفاهموا، ويتكاملوا،لهدف نبيل. فمثل هذه اللقاءات تسمح بأن تظل السيرة النبوية في قلب الثقافة الإنسانية مهيمنة على منهاج الحياة، كما أن من شأن هذا اللقاء العلمي الهام أن يساهم في ربط الباحث بالسيرة النبوية حتى تكون سنة الرسول عليه الصلاة والسلام منطلق ومرجعية الباحثين في دراساتهم واجتهاداتهم الفكرية بعيدا عن الفرضيات والاحتمالات التي تتناقض مع المرجعية الإسلامية. ولهذا فإنني أنوه بهذه المبادرة وأهنئ المؤسسات والأشخاص الذين سعوا إلى إنجازها وتحقيقها وينسجم الاهتمام بالسيرة النبوية مع تشبث المغاربة بالمرجعية التاريخية الواحدة للمذهب المالكي السني، متمسكين >بقواعده المرنة في الأخذ بمقاصد الشريعة والانفتاح على الواقع، مؤكدين ملاءمة اعتداله لروح الشخصية المغربية، المتفاعلة مع الثقافات والحضارات< ولذلك وحد المذهب المالكي على الدوام في المغرب بين الحكماء والفقهاء، وبين العلماء والخلفاء، وبين العامة والخاصة وكان ولا يزال أحد الأركان الكبرى التي قام عليها الكيان المغربي في وحدته وتماسكه وانسجامه واستقراره واكتسب بذلك قوة وصلابة وتميزا ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، قلما حظي به قطر إسلامي آخر. أيها السادة إن جامعة سيدي محمد بن عبد الله تعتبر أن من واجبها ألاهتمام والاعتناء بالسيرة النبوية وهذه مهمة تضطلع بها خاصة مختلف شعب الدراسات الإسلامية بالجامعة ومختلف المختبرات وفرق البحث المدعمة من قبلها ومختلف الكراسي العلمية المفتوحة بها، كما أن الجامعة في إطار هذا الاهتمام لم تذخر أي جهد في الانفتاح على مختلف المؤسسات والهيئات الإسلامية وإبرام الاتفاقيات والتعاون معها خدمة للإسلام عامة والسيرة النبوية خاصة، ويشهد على ذلك عدد المؤتمرات والندوات والبحوث التي مولتها وهي على أتم الاستعداد لمواصلة هذا المجهود انسجاما مع ما يقره الدستور المغربي بشأن الهوية الإسلامية لبلادنا وما يقره القانون المنظم للتعليم العالي والميثاق الوطني للتربية والتكوين. ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أتقدم بالشكر الجزيل لمؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) مرة أخرى على تنظيمها لهذا المؤتمر منوها بكل الجهود التي تبذلها لمصلحة الإسلام والمسلمين وراجيا لها مزيدا من التوفيق والنجاح في تحقيق أهدافها. أتمني لهذا المؤتمر النجاح والتوفيق والسلام عليكم ورحمة الله كلمة الأستاذ عبد الحي عمور رئيس المجلس العلمي لفاس السادة العلماء والباحثون الأفاضل بابتهاج وإكبار، واعتزاز وافتخار تحتضن فاس الحاضرة الدينية والعلمية والثقافية للمملكة المغربية، مدينة العلماء والفقهاء والمحدثين وأعلام الفكر “المؤتمر العالمي الأول للباحثين في السيرة النبوية” وحق لفاس/القرويين أن تفخر بهذا الملتقى العلمي الثقافي المتميز، وتشرف باستضافة هذه الصفوة من علماء هذه الأمة القائمين على شؤون دينها، العدول الذين ينفون عنه الزوائد ويكشفون عن طاقاته وإمكاناته لتفعل فعلها في هداية الأمة ولم شتاتها وتوحيد صفها، إنهم الطائفة التي قبلت هُدى الله وعلم النبوة فانتفعت به ونفعت، كما تقبل الأرض الطيبة الغيث فتنبت الكلأ والعشب الكثير كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه. وإذا كان من سنن الله في الأرض أن توالي السنين وطوارئ الأمراض والعوارض، مما يصيب الصحة الجسدية للإنسان بالوهن والعلل، فإن هذه السنة تنسحب على تراث الأمة وأنساقها الفكرية مع توالي السنين والعلل الذاتية، فتصاب الأمة بالغبش والإضلالات التي تحجب عنها صفاء الدين ونضارته، ويفل من عزمها ويقلل من فاعليتها، فيبعث الله تعالى من يتداركها بالتجديد ويبعد عنها الصدأ والأدران، وأمراض التقصير والغلو، وتلك مهمة علماء هذه الأمة ورثة الأنبياء ومصابيح الهداية والإرشاد، وهذا الملتقى العلمي الذي يمثل نموذجا حيا للصفوة التي تشربت مواريث الأمة وهديها القرآني وبلاغها النبوي سيثمر بحول الله عطاء جديدا ويبعث في السيرة النبوية روحا جديدة منهاجا وعلما يعيدنا لمنابع الوحي وينعش ذاكرة الأمة ويحفظ لها خيوط تواصلها الحضاري والثقافي مع تراثها الديني النبوي بعقل معاصر، وفكر مستنير، ونظرة نافدة لنسترشد ونهتدي به ويكون زادا وعونا للقيادة الفكرية الإسلامية في صياغة مشروعها الحضاري القائم الآن في عالمنا الإسلامي على قدم وساق، وأكثر من أي وقت مضى.
السادة العلماء والباحثون الأفاضل إن هذا المنحى الذي نريده لهذا الملتقى المبارك الذي يضم خيرة من العلماء والباحثين في السيرة النبوية واستحضار جهود الأمة من علمائها ومحدثيها في خدمتها، والذي يلتئم في مدينة فاس التي نشأ بها أول مجلس علمي منذ قرن من الزمان. يعني أن هذا المحفل العلمي لا يجتمع استجابة لنوازع دفينة أو حنينا إلى الماضي، ولكن الاجتماع اليوم، وفي ظل التحولات والتطورات والحراك الإسلامي الذي تعيشه الأمة، والمشكلات والقضايا التي تواجهها من مثل تجديد التراث، واسترجاع مقومات الهوية والتجاذب القائم حول مرجعية مشروع الأمة بين الإسلاميين الملتزمين بالإسلام فكرا ومنهاجا وحركة، وبين الداعين بوعي أو غير وعي لاختيارات تابعة للمرجعية الحضارية الغربية مما نعتبره عمالة حضارية، كل هذا يعني أن هذا الملتقى تفرضه ضرورة حياتية ووجودية لمواكبة الصحوة الإسلامية وإمدادها بمختلف الابتداعات والتعاليم النابعة من تراثنا وسيرة نيبنا صلى الله عليه وسلم بصفتها قراءة بيانية وتطبيقية للقرآن الكيم وتجسيدا عمليا لأحكامه وقيمه، وتمتين مقاصده، حيث إن كثيرا من الآيات تفسرها وتجليها الأحداث التي مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فضلا عن أنها السبيل إلى فهم شخصيته صلى الله عليه وسلم في مختلف مجالات حياته بما يكشف عن أنه قدوة لنا وللإنسانية جمعاء، ومن شأن ذلك كله أن يقارب الرؤى ويوحد المشاعر ويجنب القيادات السياسية والفكرية للأمة مزالق الخلاف وسيئات الافتراق، سبيلنا إلى ذلك إشاعة قيمة التشاور والتناصح وإبراز أهمية هذه القيمة الإسلامية التي تحفل بها سيرة مربينا ومعلمنا محمد صلى الله عليه وسلم مما كان عونا وسندا في زمن القوة والمنعة والسيادة الحضارية للأمة على وحدتها وتراص صفوفها وسيادة كلمتها.
وثمة قيم أخرى ما أشد حاجة الأمة اليوم إلى إحيائها وبعثها من جديد بعدما غابت عن ثقافتنا الدينية وطويت في متاحف التاريخ على الرغم من أن سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وأحاديثه طافحة بها، إنها قيم الحرية والمساواة والعدل وحقوق الإنسان وغيرها من القيم الثاوية في تراثنا، والتي من كثرة ما غابت عن حياتنا حسبها الحداثيون والمغتربون من أمتنا قيما كونية وحقوقا إنسانية ابتدعها الغرب وأثمرتها بيئاته وأن حضارته هي التي ابتكرتها وأشاعت أنوارها بين العالم والناس، بينما هي تُأويه في تراثنا الديني وخطابنا الإسلامي وسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مما يقتضي الكشف عنها والتأصيل لها وإبرازها في السيرة النبوية، وتبيان مدى أهميتها في تكوين الشخصية الإسلامية، وإعادة بناء الأمة على أسس من القيم والمرتكزات الثابتة، مما يعيد للسيرة النبوية مصدريتها للمعرفة والحضارة والثقافة الإسلامية، ولعل السبيل إلى ذلك ابتداع مناهج سليمة تزاوج بين التاريخية والحديثة، والاستفادة من الدراسات العلمية ومختلف حقول المعرفة في مناهج البحث في السيرة النبوية وفي تناسق بين أصحاب العلوم الشرعية، والعلوم الحديثة بما يحقق التكامل المعرفي والتوازن الكلي، ويثمر استنتاجات وإشراقات جديدة تخدم مسيرة أمتنا الإسلامية في الإحياء والترشيد والتجديد، والأمل معقود بحول الله على هذا المؤتمر أن ينير شموعا من ضياء ويزيح أستارا من ظلام. ومرة أخرى باسم المجلس العلمي وعلماء فاس وساكنتها أجدد الترحاب بالضيوف الكرام، وأعرب عن فائق تقدير المجلس وشكره للجهات المنظمة لهذا المؤتمر، متمنيا للسادة العلماء والباحثين إقامة هنيئة وراحة وضيافة تليق بأهل العلم والعلماء. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.