تعرضنا فى هذه الدراسة لواحد من أهم محاور المؤتمر المطروحة، وهو الذى يتصل بتقريب السيرة النبوية للطفل المسلم، فحاولنا خوض غمار هذا الموضوع لما ينطوى عليه من أهمية تاريخية وأخلاقية، وهو ما دفعنا إلى أن ندخل حقل أحد مجالات الدراسة الأدبية، وهو أدب الطفل بوصفه فناً له خصوصيته وأهدافه ومعاييره الخاصة. ومن خلال جهود مجموعة ممن عرفوا برواد أدب الطفل فى مصر والعالم العربى اتجهت الدراسة للبحث والتنقيب فيما تركه هؤلاء الرواد من أدب الأطفال يتصل بموضوعنا، فوقعنا على مجموعة من الأعمال الإبداعية (شعراً وقصة ومسرحية) استخدمها هؤلاء الأدباء وسائط لتقديم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. واخترنا فن القصة دون باقى الوسائط والأجناس الأدبية لما ينطوى عليه هذا الفن من قدرة على التعبير، وما يتسم به من مرونة وحيوية، وما يحظى به لدى الكبار والصغار معاً من قبول واستجابة نظراً لاعتماده على عنصر التشويق والحوار وتصاعد الأحداث إلى آخر تلكم الخصائص القصصية.
وقد تكشف لنا أن عدداً ليس صغيراً من كُتاب أدب الأطفال قد أسهموا فى تقديم السيرة للطفل لأجل تعظيم شخصية الرسول فى نفوسهم، وتعميق قيم الإسلام، وإبراز النموذج الأعلى للقدوة الحسنة، إلى جانب تبيان سماحة الإسلام، وتضحية الأولين فى سبيل نشر دعوة الإسلام. وكما اختلفت اتجاهات أولئك الكُتاب، وتعددت مناحيهم فى كتابة القصة ذات المضمون المعتمد على السيرة النبوية، فإنهم اختلفوا أيضاً فى طرق تبسيط السيرة والحفاظ على مضمونها التاريخى دون الوقوع فى فخ كتابة التاريخ، أو الوقوع تحت تأثير التراكيب القديمة، لغةً وسرداً. غير أنه قد برز لنا أيضاً أن هذه الجهود جهود مخلصة تكشف عن إحساس أولئك الكُتاب بمسئوليتهم تجاه الحفاظ على السيرة النبوية من جهة، وغرز الأخلاقيات وتعهد الطفل المسلم بالقيم السامية من جهة أخرى. مستخدمين -أى أولئك الكُتاب- شتى الوسائل الفنية التى يتسم بها فن القصة، حتى يضمنوا وصول المحتوى للطفل وتأثير شخصية الرسول عليه.
ومن أبرز النتائج اللدراسية :
1. أدب الطفل أدب ينبغى إعادة النظر إليه لما يستطيعه من التأثير فى نفس الطفل وفى عقله وفى وجدانه.
2. القصة من أهم أجناس أدب الطفل قدرة على استيعاب أحداث السيرة وإعادة تقديمها للطفل درامياً وفنياً دون المساس بالمحتوى والفكرة، وهو فن يحبه الطفل ويجد فى قراءته متعةً وشوقاً.
3. يعد كامل الكيلانى بلا منازع رائد أدب الطفل العربى المسلم، وتعد مكتبته القصصية التى قدمها للطفل فى موضوع السيرة النبوية من أعظم الإنجازات الحديثة، إذ تأثر به تلامذته الذين واصلوا مشواره وأصبحوا هم الآخرين رواداً فى هذا الاتجاه، كأحمد نجيب، وعبد التواب يوسف، وإبراهيم عزوز، والبوهى، وعاشور، وبرانق، والأبراشى، وغيرهم.
4. يعد عبد التواب يوسف صاحب نقلة نوعية فى هذا المضمار بما أدخله على شكل القصة ذات المضمون المعتمد على السيرة النبوية من حيوانات وجمادات، بث فيها الحياة واستنطقها.
5. هناك ثلاثة عناصر لها تأثيرها على الطفل، وينبغى الاستفادة منها حينما نكتب قصة السيرة للطفل، وهى: أ- أن تكون القصة ذات تأثير عاطفى ووجدانى، لأن ذلك يحقق التفاعل بين الطفل القارئ، وبين الموضوع المقروء. ب- أن تأخذ لغة الإقناع العقلى دورها إلى جانب اللغة الفنية حتى يتم التأثران: العاطفى والعقلى، احتراماً لعقلية طفل اليوم وتعليمه سبل الجدل بالتى هى أحسن، والحوار مع الآخر. ج- لا بأس من بث روح الفكاهة بين تضاعيف القصة لأن نفس الطفل مجبولة على الرقة والفكاهة واللين.
6. اتخذ أدباء الطفل فى تبسيط قصص السيرة أشكالاً عدة، منها:
أ- وضع علامات توضيحية أو عناوين جانبية فى سرد القصة الطويلة بتقطيعها إلى أفكار تحقق تواصل الطفل مع الحدث المروى ومتابعة تطوراته.
ب- مخاطبة الطفل فى أول القصة، أو قبل سردها، أو فى أثنائها، وذلك توجيهاً للطفل إلى أهمية ما تلقاه، وإيقاظه مما قد يعتريه من سهو أو غفلة أثناء القراءة.
ج- تبسيط لغة السيرة، وتخليصها من العبارات الصعبة والألفاظ الغريبة، أو شرحها بين قوسين للطفل القارئ.
د- كان اعتماد الحوار دون السرد سبباً رئيس فى إكساب القصة دينامية وحيوية أكثر من السرد.
ي- تقديم السيرة النبوية للطفل مع الحفاظ على روح الحدث، بعيداً عن بعض التفصيلات الفرعية التى قد تؤثر على تلقى الطفل.
و- ذكر بعض الشخصيات الثانوية فى الحدث والتوقف قليلاً وتعريف الطفل بهم، خاصة إذا كانوا من مشاهير الصحابة.
وأخيرا يوصى البحث شتى الجهات بـ:
1) تبنى مشروع للتوسع فى تقريب سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذا سير الصحابة للطفل بأكثر من لغة.
2) إنشاء جائزة تقيمها الحكومات الإسلامية لأفضل كتاب يتم فيه تبسيط سيرة بن هشام بأكملها وتقديمها للطفل.
3) تقديم السيرة النبوية للكبار والصغار من خلال شتى الوسائط الفنية والإعلامية.
4) ضرورة ترجمة سيرة الرسول إلى شتى لغات العالم مع التركيز على طريقة الخطاب العقلى، وذلك لتقديمها إلى القارئ غير المسلم.
د. محمد عبد الحميد خليفة
كلية التربية جامعة دمنهور مصر