ب- الإعداد الروحي والخلقي :
ترجع أهمية الإعداد الروحي والخلقي للأجيال الذين يمثلون آمال أمتهم إلى الحاجة لعلاج كثير من مظاهر الحيرة والاضطراب، والقلق، والانحراف وتعاطي المخذرات، التي سادت أوساط الشباب، وأصبحت من الظواهر اللافتة في حياتنا، والباعثة على الخوف من عواقبها، ولاشك أن ضعف التربية الدينية وربما غيابها هو الذي أدّى إلى ضعف الأخلاق، وسيطرة الغرائز، وفقدان الوازع الديني، وضعف الإيمان بالله كموجهٍ للسلوك البشري، ومحددٍ لمساره، كما سبقت الإشارة إليه، مما يستلزم إعادة بناء شخصية الشباب ليكون في مستوى التحدي الحضاري للأمة، ومما ينبغي الاهتمام به في هذا السياق ما يلي :
- يجب التحرر أولا وقبل كل شيء من مقولات علم النفس الفرويدي الفاشلة، والمعطلة للطاقات الإيجابية، والمخربة للفطرة النقية، لأن اهتمامها الزائد بالغرائز و بالحاجات الجسدية والنزوعات الجنسية، جعل معتنقيها يروجون شعار الحرية المطلقة، ويشيعون قيم الاستهلاك والإباحية بدعوى التحرر والتخلص من الكبت، زعما ومكرا.
- ثم بناء القيم والأخلاق على العقيدة، فالعقيدة الإسلامية مثلا تبصر المسلم وتعلمه أن علاقته بربه علاقة عبودية، وعلاقته بالناس علاقة عدل وإحسان، وعلاقته بأشياء الكون وبثروات الأرض علاقة تسخير وحسن استثمار، وبذلك يعرف المسلم الواعي كيف يتعامل مع الناس مؤمنهم وكافرهم ومنافقهم، وكيف يتعامل مع الأشياء والمقدرات الطبيعية في إطار التعمير والإصلاح وهو مبتعد عن الفساد والإفساد، وذلك بتربية الأمة أفرادا وجماعات على التوحيد، توحيد المعبود وهو الله تعالى؛ توحيده في الربوبية والألوهية وفي الأسماء والصفات، وعلى توحيد الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، وما يتبع ذلك من تصحيح العقيدة في الغيبيات والنبوات، وفي مصدر الإنسان وأصله ومصيره والغاية من وجوده في الكون، وبذلك تتوحد القبائل والشعوب على منهج واحد وعلى هدف واحد، لأنهم من أصل واحد هو آدم عليه السلام، وتسويتهم تبعا لذلك في الحقوق والواجبات، إذ لا فضل لعربيهم على عجميهم ولا لأبيضهم على أسودهم إلا بالتقوى، وتوحيدهم في اتجاه واحد لتحقيق أ هداف مشتركة وبلوغ غاية واحدة،…
- عدم الركون للواقع السيئ كأنه قضاء و قدر على الأمة، بل ينبغي العمل على تغييره، لأن من سوء فهم القضاء والقدر الاستسلام للواقع السيئ مع أن القدر لايمنع العمل واتخاذ الأسباب، كالدواء للعلاج قال صلى الله عليه وسلم : >اعملوا ولا تتكلوا..< واتخاذ الأسباب نفسه قدر (نرد القدر بالقدر أو نفر من قدر إلى قدر كما قال ابن الخطاب رضي الله عنه). – والتربية الصالحة هي التي تهيئ الأجيال لتغيير الواقع السيئ فـ>المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.<(1) والمؤمن نفسه بعزيمته قدر، كما قال فيلسوف الإسلام محمد إقبال رحمه الله تعالى: >المؤمن الضعيف يتعلل بالقضاء والقدر، والمؤمن القوي هو قضاء الله وقدره في الأرضليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب<، وعند البخاري >إنما الصرعة الذي يملك نفسه عند الغضب..< موطأ مالك كتاب حسن الخلق عن أبي هريرة. ولو عدنا إلى تربية أسلافنا لوجدناها قائمة على الضبط والحزم -ولو مع بعض الشدة- مما جعلها تنتج أشخاصا أقوياء يصمدون أمام الشدائد، فكانت أنجح من تربيتنا الحالية المستلبة والقائمة على التساهل والعواطف المبالغ فيها، فأعطت جيلا ضعيف الإرادة خائر العزيمة، فلا نحن كونا جيلا قويا متحررا من الكبت حقا، ولا نحن كونا شبابا أو رجالا أقوياء النفوس والإرادة، أو سالمين وهادئين على الأ قل،
ج- الإعداد الاجتماعي والحضاري :
من المعلوم أن الإعداد الاجتماعي والحضاري للطفل أو الشاب يتم بالتدرج تبعا لنمو شخصيته عقليا وعاطفيا واجتماعيا، وهذا الإعداد تسهم فيه المؤسسات التربوية التعليمية والتقنية /المهنية، والإعلامية وغيرها، ويقوم على عدة أنشطة أو مجالات تربوية مجملها فيما يلي :
– التربية الاجتماعية وحسن التكيف مع الجماعة : يتم ذلك بالاندماج مع الجماعة، والشعور بالانتماء لها، ولأجل اكتساب الموقع الاجتماعي وإثبات الذات وسط الجماعة، يتطلب الأمر تحقيق التكيف والتوازن بين الدوافع الشخصية الذاتية، و بين متطلبات المجتمع وقيمه الثقافية والحضارية، مما يستلزم أيضا احترام الأعراف والقيم واعتبارها من مقومات الشخصية، والتربية الدينية والأخلاقية التي سبق ذكرها تساعد في تحقيق هذا الأمر وتسهله.
- التربية على العمل والإسهام في اقتصاد الأمة : ومما ينبغي أن يربى عليه الشاب المسلم حب العمل والكسب، واحتراف مهنة ما، وطلب الرزق الحلال واعتبار الكد والتعب من أجل الرزق عبادة مأجورة، فضلا عن منافع العمل الاقتصادية كتوفير العيش الطيب، والإسهام في توفير الحاجات الضرورية، واستقلال الشخصية، وصيانة كرامة المسلم من السعاية والاستجداء، فضلا عن تحقيق التكافل الاجتماعي بالإنفاق العام، وتقوية اقتصاد الأمة. ومن المبادئ الهامة في هذا المجال ربط التقدم الاقتصادي، والتكيّف الاجتماعي بالأخلاق، فالتقدّم الاقتصادي لا يعتمد على ما تملكه الأمة من إمكانات مادية، وقوى بشرية متعلمة مدربة فحسب، بل على ما يتحلّى به الأفراد العاملون المنتجون من سلوك أخلاقي يتجلى في التقوى وحفظ الأمانة. وفي الإحساس بالمسؤولية وأهمية التعاون، وصيانة الحقوق العامة والخاصة.
ــ التربية على تحمل المسؤوليات العامة : من خلال التربية على تحمل المسؤوليات تنمو وتتطور الشخصية الاجتماعية للفرد تبعا للأدوار المنوطة به سواء على الصعيد العائلي أو المجتمعي التعاوني الخاص أو الاجتماعي العام، والتربية على تحمل المسؤولية منذ البلوغ من مبادئ الإسلام، ولا تقتصر المسؤوليات على القيام بمهنة أو حرفة فقط بل بتحمل أمانة الدين والوطن والأمة ، وذلك استجابة لأمر الشرع الذي يلزم بطاعة ولي الأمر في الحق، و في تحمل المسؤوليات العامة كالتعليم والقضاء والتطبيب، وغيرها. ومن المسؤوليات الكبرى التي يربى عليها المسلم، مسؤولية أو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي هو من خصائص الأمة المتحضرة، وهو مبدأ يقوم على أسس أو أركان ثلاثة راجعة كلها إلى قوة الإرادة والتحرر من أسر العادات والأوهام، فالأمر بالمعروف لا يكون إلا باستقلال الإرادة وقوتها، والنهي عن المنكر لا يكون إلا باستقلال الرأي وحريته، وكلا الأمرين متوقف على التحرر من أسر العادات وأهواء النفس، ومن الأوهام والخوف من طواغيت الإنس و الجن، ولا يكون الإيمان إيمانا على الحقيقة ما لم يتحرر صاحبه من هذه القيود، وإلا وقع أسير الضعف البشري وما يؤدي إليه من صفات؛ الجبن والنفاق والمواربة وإيثار النفع العاجل وما إلى ذلك (الرافعي 103 بتصرف) ويندرج ضمن المسؤوليات العامة ما يسمى بالتربية المدنية السياسية، التي تقوم على المشاركة في تسيير شؤون المجتمع وتحقيق العدل بين الناس وذلك حسب القدرة والكفاءة والأهلية، بدءا بمسؤولية داخل جمعية مدنية، أو من خلال الوظيفة الرسمية، ومرورا بتحمل مسؤولية وطنية، فالاستعداد لنصرة للمسلمين والدفاع عن بيضة الإسلام ومصالح الأمة، ونشر الدعوة الإسلامية بالتي هي أحسن…الخ، والإسلام كما يلح على تحمل المسؤوليات وأخلاق التسامح، والتعامل مع الخصوم بالرفق وكظم الغيظ فإنه لا يدعو للتراخي أو التساهل في المطالبة بالحقوق العامة والخاصة والدفاع عنها، بل ومع صلابة الموقف عندما تكون مصالح الإسلام والأمة مهددة، ومن هنا يجد الخطاب الإسلامي نفسه ملزماً بأن يؤكد على تكوين الشخصية المسلمة القادرة على المقاومة للظلم والاستغلال، والقادرة على تحمل الصعاب ومواجهة التحديات” عبيد حسنة . (الخطاب التربوي الإسلامي) ضمن مقالات الشهود بتصرف …
د محمد البوزي
—–
1- أخرجه مسلم عن أبي هريرة كتاب القضاء والقدر رقمه في مختصر مسلم للشيخ الأ لباني 1840..