انتشرت في بلادنا العربية بدع ليست من صنع محلي ولا من تطور اجتماعي ذاتي وإنما هجمت عليه من خارج دينه وخارج تقاليده وخارج مجتمعه، مثال ذلك : “ذكرى الأربعين للميت”، هذه الذكرى لم تكن في بلاد العرب يوم كانت للأزهر الشريف وللقرويين والزيتونة ومراكز العلم في بلادنا المكانة السامية والقيادة العلمية.. ولعل مصر هي أول بلد عربي ظهرت فيه هذه البدعة المنكرة، ومازلت أذكر مقالا لأحد أحْبار الأقباط الغيورين على دينهم نشر -غالبا- في الأهرام في الخمسينيات يهاجم فيه هذه البدعة ذات الأصل الوثني الفرعوني لارتباطها بعقيدة عودة الروح إلى الميت بعد أربعين يوما أو بمناسبة التحنيط لبعض جثث موتاهم، وقال إن دينهم بريء من هذه البدعة السيئة ودعا إلى الإقلاع عن فعلها والقضاء عليها.
ومن المجمتع القبطي انتقلت هذه البدعة الى المجتمع الإسلامي المصري ومن هناك انتشرت في بلادنا العربية وأصبحت من الفروض والواجبات حتى في البوادي والقرى. وهكذا ظهر الفساد في البر والبحر والجبل أيضا كما يقول المثل. ومن هذه البدع : الوقوف دقيقة صمت ترحماً على الميت، وقد حكى لي أستاذ زميلي -والعهدة عليه- بأن أصل هذه البدعة أتت من أوربا، وبخاصة فرنسا إذ كانت نقطة اتفاق وتصالح بين جميع الحاضرين في الجنازة أو مناسبة الترحم حتى يتاح لكل الحاضرين أن يعبروا عن ترحمهم حسب دينهم ومذهبهم وفكرتهم، فهناك من يدعو سراً، دعاء يختلف عن دعاء المخالف له ديناً أو مذهبا وهناك من يكتفي بالصمت والوقوف إذا كان ملحداً فلكل واحد أن يتصرف في دقيقته الصامتة بما يوافق دينه وفكرته وعقيدته وهواه. أما نحن فما حاجتنا لدقيقة صمت وقوفاً، وقد أغنانا شرعنا الإسلامي عن ذلك؟. ولكنه التقليد الأعمى الناضح.
أ.د. عبد السلام الهراس