الإسلام رسالة الله للجميع
إن الإسلام دين الله للخلق أجمعين، يتميز بالعمومية والصلاحية لكل زمان ومكان، وهو رسالة الخلود التي قدر الله بقاءها إلى قيام الساعة، فلا تشريع بعد الإسلام، ولا كتاب بعد القرآن، ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو الدين المقبول عند الله {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}(آل عمران : 84) وقال سبحانه في نفس السورة : {إن الدين عند الله الإسلام} وقد بشرت بالإسلام التوراة والإنجيل وآمنت به الأنبياء والرسل عليه السلام ونادوا بالإيمان به، وقد أخبرنا القرآن الكريم بذلك في كثير من الآيات، منها قوله تعالى على لسان نوح عليه السلام: {… وأمرت أن أكون من المسلمين}(يونس : 72) وإبراهيم وإسماعيل قالا : {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك…}(البقرة : 127) وأوصى إبراهيم بنيه ويعقوب فقالا: {يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}(البقرة : 131) ويوسف دعا ربه فقال : {.. توفني مسلما وألحقني بالصالحين}( يوسف: 101) وموسى قال: {..يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}(يونس : 84) وسليمان بعث لبلقيس وقال: {ألا تعلوا علي وآتوني مسلمين}(النمل : 31) وقال غير الأنبياء والرسل : ومنهم الحواريون الذين قالوا لعيسى : {..آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون}(آل عمران : 51) وقال سحرة فرعون : {..ربنا أفرغ علينا صبرا و توفنا مسلمين}(الأعراف : 125) وقال فرعون حين أدركه الغرق : {قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين}(يونس : 90) ويخبرنا القرآن الكريم أيضا عن بعض مخلوقات الجن الذين آمنوا بالإسلام فقال الله تعالى على لسانهم: {وقالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق و إلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين}(الأحقاف: 29- 31) كما قالوا في سورة الجن {وإنَّا لَمَّا سمعنا الهدى (أي القرآن) آمنا به} وأقَرُّوا هنا بأن منهم المسلمون ومنهم الضالون عند قوله تعالى : {وإنا منا المسلمون ومنا القاسطون} والقاسط هو الجائر الظالم.
والمقسط هو العادل المائل إلى الحق ويظهر مما تقدم أن رسالة الإسلام هي رسالة الله للجميع، للإنس والجن، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم ، بعثه الله للثقلين بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله قال تعالى : {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا…}(الأعراف : 158).
الإسلام إيمان وعبادة
إن للإسلام أصولا بني عليها وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وقد أقر الإسلام ببعض الأحكام والمعاملات التي كانت سائدة في الجاهلية عند العرب والتي أقرها لتكون ضمن تشريعاته الناسخة للشرائع السابقة، أما الإيمان فقد عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام،حين سئل عنه فقال: >…أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره< كما عرف الإسلام أيضا بقوله عليه السلام >..شهادةُ ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإِقَامُ الصلاة، وإيتاءُ الزكاة، وحَجُّ البيت وصومُ رمضان< وقد وردت الإشارة إلى الإيمان في كثير من الآيات القرآنية من ذلك قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين..}(البقرة : 176) وقد عرف العلماء الإيمان فقالوا: إن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح. والإيمان يزيد وينقص. وحكمه الوجوب على كل مكلف بالغ عاقل، وكلما ازداد إيمان المسلم قوة، ازداد سلوكه اتزانا واستقامة مع الله جل وعلا، وأصبح يكثر من الأعمال الحسنة، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتحلي بالصبر على تأدية الفرائض والواجبات، وحماية نفسه من كل ما يغضب الله عز وجل، من ظلم وفحش وغضب وغيبة ونميمة ولعن.. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : >ليس المومن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيءهذا خير من ملء الأرض مثل هذا” متفق عليه (نزهة المتقين شرح رياض الصالحين رقم : 255).
ولما كان الناس مأمورين بالعمل لأنهم خلقوا من أجله لا من أجل أن يأكلوا ويشربوا ويناموا. قال تعالى : {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون}(التوبة : 106) وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{لأن يأخذ أحدكم حبلا، فيذهب فياتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه<(رواه البخاري). وكان لهم في العمل فوائد كثيرة دنيا وأخرى وخاصة ما هو صالح منه لأن العمل عبادة عند المسلم، وإن كان ليس بالقدر ما هو واجب منها. فقد أقبلوا عليه وتنافسوا فيه إلى أن أصبحوا على ما هم فيه الآن من تقدم في كثير من المجالات، كل ذلك بفضل العلم والعمل بعد فضل الله عز وجل الذي وفقهم في ذلك. فلولا العلم والعمل ما عرف الإنسان الغاية من وجوده ولا كيف يعبد الله حَقَّ عبادته. ولا ركب وسائل النقل المختلفة برا وبحرا وجوا، ولا تحدث مع غيره عن بعد آلاف الكيلومترات، ولا غاص البحار والمحيطات بحثا عن المعادن النفيسة، ولا سمع أخبار العالم وما يحدث فيه من تغيرات وأحداث لحظة بلحظة، ولا ولا… وقد رزق الله الإنسان الصحة والعقل والقدرة على العمل للتغلب على الصعوبات. إلا أن منهم من يستحضر الشرع والعقل في اختيار العمل الذي يريده، فلا يلج أوكار المحرمات ولا يكذب أو يظلم أو يخون، وينفق مما رزقه الله، ومما هو عزيز عليه في سبيل الله {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}(آل عمران: 92) لأنه يعلم يقينا أنه محاسب على عمله وعلى ما اكتسبت يده يوم لقاء ربه. فهؤلاء يجزيهم الله الجزاء الحسن {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب}(غافر: 40) ومنهم من سار على غير هذا النهج لجهله أو غفلته أو فراغ قلبه من الإيمان فخسر خسرانا مبينا.
الإسلام يأمر بالعمل للدارين
إن الإسلام دين وسطي، فهو يأمر الإنسان بالعمل للدارين معا ولهذا نرى الإنسان المسلم ينظر في أمور الدين والدنيا بعين الحكمة، ويزنها بميزان الشرع والعقل، ثم يعطي لكل دار حقها. كما قال ابن عمر رحمه الله: احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. (الجامع لأحكام القرآن : 13 ص 314) وبعدما أمر الله عز وجل الإنسان المسلم، بتقديم الآخرة على الأولى في قوله تعالى {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة }(القصص: 77) وقوله سبحانه للرسول صلى الله عليه وسلم : {وللآخرة خير لك من الأولى}(الضحى: 4) أتبع الأمر عز من قائل في نفس الآية : 77 بالنهي على ألا ينسى المسلم نصيبه من الدنيا فقال: {ولا تنس نصيبك من الدنيا} هذه الدنيا التي زينها الله للإنسان واستخلفه فيها، وجعل له فيها من الخيرات مالا يحصى، وحبَّب إليه منها المال والأولاد و كثيرا من المشتهيات فقال : {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا}(آل عمران : 14) وقال : {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} لذا كان لزاما على الإنسان المسلم أن يُسعد نفسه بهذه النعم ويشكر الله عليها، وينظر إلى الدنيا وكأنها متجر ربح يراهن فيها على الربح الأخروي، قال تعالى: {إن الله اشترى من المومنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}(التوبة : 112) ويعلم أن الدنيا دار عمل وفناء و الآخرة دار جزاء وخلود، ومن ثم يعمل على ما يفيده ويسعده في الآخرة بالعبادة والطاعة لله عز وجل: وعلى توفير لما يحتاج إليه في دنياه، فضلا على وقاية نفسه من الخوض في أمور وقضايا كثيرة، أراد الله أن يبقيها خافية عن الإنسان، إما لكونها فوق طاقته العقلية {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}(الإسراء: 85) أو لأنها من الغيبيات التي يومن بها المسلم كما وردت في الكتاب والسنة ولا يسمح لنفسه بالخوض فيها بآراء وتأويلات مشكوك في صحتها، أما أولئك الذين زاغت عقولهم ورمت بهم آراؤهم في ظلمات الشكوك والحيرة، وغاصت بهم في متاهات الفلاسفة والملحدين الذين لا زالوا يتخبطون في قضايا كثيرة كالألوهية والكون والروح وقيام الساعة والنبوة والإنسان والمصير الأخروي.. فينطبق عليهم قول الله تعالى {فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون}(الزخرف : 83) وقوله: {بل هم في شك يلعبون}(الدخان: 8) مع العلم أن الله تعالى أخبرنا في القرآن الكريم كما أخبرتنا السنة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الأمور كلها بوضوح شامل جدا، مثل قوله تعالى: {و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}(الإسراء :85)، وقوله: {يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عن الله }(الأحزاب : 63) وفي جواب آخر له عليه السلام، لمن سأله بقوله متى الساعة؟ فقال: “ماذا أعددت لها؟”.
أذ. محمد الصباغ