{طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى }
من مشارق الأرض لمغاربها ومن محيطها لخليجها، ومن أدنى الأرض إلى أقصاها وبكل جغرافياتها، يرخي الشقاء اللحظة وأكثر من أي وقت مضى دياجيه على القلوب والأنفس.. وما تختزنه السجون والإصلاحيات والمصحات النفسية من تائهين، لا يمكن مقارنته بمن يحسبون أنفسهم قطعوا فيافي البلاء وجفت أرجلهم كما يقال في المثل المغربي، وهم كثيرون بكل تأكيد، فوباء الشقاء مع غربة الدين، يكاد يشبه “زجاجة زيت معلقة في كل بيت” كما يقول مرة أخرى المغاربة.
حتى الموغلين في الرفاه يطبق الشقاء على رقابهم ويعتصر قلوبهم فتراهم في سكرتهم يعمهون ويتخبطون، فمنهم من قضى نحبه بعد مسار صعب وقاتل من التيه السلوكي كالمغنية هيوستن وأضرابها في العالم بما فيه العربي الإسلامي هم بلا حصر،ومنهم من لايزال يخبط خبط عشواء كما حصل للمغني الغربي إلتون جون الذي يوجد هذه الأيام في حيرة شديدة، وهو المثلي المجاهر بشذوذه، فقد تبنى مؤخرا هو وزوجه -وهو بالمناسبة ذكر-، بعد ما يفوق عشر سنوات “حب ” بينهما والعياذ بالله، طفلا صغيرا، ووجه شقاء الفنان إياه، خوفه على ابنه المتبنى من هزة عاطفية إذ يكتشف بأنه ليس ثمرة زواج طبيعي، بل ثمرة نطفة مجهولة قطفها الفنان في لحظة صحو لفطرة الأبوة المغبونة بداخله. وليتخلص الفنان الرقيق من شقائه الممض، قرر هو وزوجه المثلي أن يطرقا أبواب المستشارين النفسيين لاجتناب أية صدمة قد تصيب طفلهم المتبنى.. وقبل سنوات قام رجل فاضل من علماء المسلمين، وقال ربي الله ومنهجه الحق وما جاء به المغني إلتون جون “معشوق الشباب” هو بمثابة الباطل بعينه، ولتأثيره على وجدان الشباب، سيتبنون خياراته الشاذة تشبها به وبالتالي سيصدر الشقاء إلى أبناء الأمة من تحت رأس حرية الفن فوجب على الأقل استنكار مجاهرته بالشذوذ في بلاد المسلمين لاستنقاذ ما يمكن استنقاذه من الأرواح الفتية الشاردة خلف سلوكه لا خلف فنه، فكان أن قامت القيامة ضد الرجل، ولم تقعد تداعياتها حتى أقعدته في بيته ولجمت فورة غيرته، وترك فراخ الأمة من أبنائها ليتصيدهم الضالون المضلون عبر العالم العربي، حتى إذا أمعن الشباب في التيه، وأكلت أجسامهم سموم كل آفات الغفلة عن الصراط المستقيم، خرجوا على أحكام الدين ورفضوا اتباع سنة وسيرة سيد المرسلين وأوقدوا نار الفتنة في كل مكان، وكان حطبها، العزل الأبرياء مع الأسف، وكذا أولئك الذين يحفرون الحفر للدين وأهله فحقت عليهم السنن الربانية ولزم أن يقعوا فيها..
فتن إذن، ولا قدرة لأهل الدين على لجم سيلها، إذ عزلت بطانة الباطل أهل الدين عن الجماهير فصاروا غرباء يتندر دعاة فصل الدين عن الدولة في سيرة باطنهم قبل ظاهرهم ويخرجون على الناس في صحفهم و منتدياتهم بألوان من الكتابات الساخرة في نياتهم بله أعمالهم.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فمن أعجب ما قرأت في الأيام الأخيرة مجموعة كتابات تشكيكية في سلوك وتصرفات وزراء من الاتجاه الإسلامي على المستوى الأخلاقي، حتى أن وزيرا فيهم ضبط “متلبسا” بـ”جرم” التسوق وحمل أكياس الخضر البلاستيكية بكل عفوية ودون طابور الخدم والعسس التقليدي كما في التدبير السابق، فاعتبر “شعبويا”، وتناسلت تعليقات الاستغراب من سلوكه “الشاذ”.
وجاءت كتابات أخرى من نفس النوع التربصي بالسادة وزراء الاتجاه الإسلامي محملة بالروح التبخيسية لما رشح من أخلاقهم العالية الممتثلة لشرع الله الحكيم. فماذا لو خطر لأحد هؤلاء الوزراء في نوبة طاعة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجد))، فبادر كما الصحابة الكرام إلى حمل أكياس عجوز بالسوق أو تسلل خوف الرياء إلى بيتها سرا فأعانها على قضاء حاجاتها أو طهى لفقيرة معوزة حساءها، أجزم أن ما سيحدث هو حج وسائل الإعلام الدولية بكل أجنحتها إلى بيت الصحابي عفوا الوزير، وقد يتعرض الوزير المعني المتلبس “بالطوباوية الشعبوية كما يقولون” إلى عملية اختطاف بل اغتيال ، وقد يشق رأسه كما فعل برأس الشيوعي لينين لمعرفة سر اختلافه عن سابلة المسلمين مع جرد لمغانم هذا التميز، ومخاطره على رسومات المستكبرين، وتلك الغربة الكبرى للمتطهرين ودعاة القيم، والله المستعان على ما يصفون.
في الحاجة العاجلة إلى المتطهرين
من فضل الله عز وجل علي ورحمته أن وفقني للتزود من إشراقات وفيوضات ربانية عجيبة نهلت من معينها وأنا أتابع سيرة المعلم الجليل الأستاذ فتح الله كولن. وإشاعة للخير العميم أدعوك قارئي للنقر على محرك البحث جوجل الخاص بأشرطة يوتيوب، وكتابة كلمة ” فتح الله كولن وغربة القرآن ” وسترى عجبا إذ سيرجك الشريط بل سيزلزل كيانك، وسينفطر قلبك وتنهمر دموع الشوق من مقلتيك دون استدرار وستقف معي قارئي على حالة وجدانية لا وصف لها إلا التكبير في حق الله تعالى لما يمد به عباده المصطفين من قدرة على التأثير، وقيادة الناس إلى الحق الذي جاء به الأنبياء والمرسلون. سيربطك الأستاذ كولن حال ولوجك إلى درسه الدعوي باليوتيوب إلى المفتاح الأعظم للخروج من حالة التيه هذه إنه القرآن الكريم، سيرفعك إلى مقام المسؤولية وسيجعلك وهو يهتز كغصن رقيق بمهب الريح من الوجد والحب والخوف والأمل والتوق “إلى خدمة الدعوة والاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
، تستشعر قزميتك وفراغك وعبثيتك، بل وتبدو لك مشاعرك تجاه كتاب الله عز وجل وتجاه نبيك المصطفى متهافتة ومتكلسة مقارنة بما يفيض من مشاعر العشق لكتاب الله التي تنطق بها كل جوارح الأستاذ كولن وهويستبكيك لحال الغربة واليتم الذي غدا يرزح فيه كتاب الله عز وجل، وتطالعك جموع المستمعين للموعظة وهم يشهقون بالبكاء إذ يستشعرون ألم الشيخ وهو يصعد النشيج المعجون بالحسرة والزفرات، فتدرك كيف أصاب هذا الرجل كبد الحقيقة، فالحرقة للدين، إذا ملكت روح الداعية إلى الله هيجته لا على البكاء فحسب بل على الفعل الرسالي المتواصل بلهفة المشتاق العارف بموعود الله عز وجل للمصلحين من عباده..
يقول فتح الله كولن في كتابه الرائع (أضواء قرآنية) : لذا كان من واجب أهل العقل والإيمان والعرفان القيام بإنقاذ العالم إن كان الفساد استشرى فيه فإن لم يكن العالم قد فسد، بدل الجهد من أجل استمرار الصلاح إن كان هناك أي احتمال لحدوث الفساد ومجيئه مع القيام بالسيطرة على أنصار الشغب والفوضى والفساد، وعدم إفساح المجال للمزيد من الإفساد ولا يكون هذا إلا بفتح دور العلم والتربية والتثقيف وفتح مراكز الإرشاد والتوعية وتكوين المؤسسات الضرورية في هذا المجال ووضع البدائل العديدة في هذا الصدد ونبذ كل منافذ النعرات والفتنة والفساد وعدم السماح بفتح أبواب محتمل للفتنة ولينزل فضل الله وكرمه على من يستطيع تنفيذ هذا….).
وقد أفلح السيد فتح الله كولن في تنزيل هذه الرؤية الحضارية الحكيمة المناهضة للعنف والحاضرة بقوة في نفس الآن في خضم معركة الإصلاح، في بلاد كثيرة من بلاد العالم، من خلال ثلة من المتطهرين من تلاميذه، سلاحه حبه لله ولرسوله وللقرآن الكريم.
ومع هذا الحب لكتاب الله عز وجل سنلتقي في حلقة قادمة بإذن الله
فاللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك.
ذة. فوزية حجبي
al.abira@hotmail.com