يوسف عليه السلام نبي من أنبياء الله تعالى، آتاه من الملك وعلمه من تأويل الأحاديث، وردت قصته كاملة مفصلة في سورة كاملة هي سورة يوسف. وهو ما لم يقع لغيرها من قصص الأنبياء التي وردت متفرقة في عدد من السور. فسورة يوسف نموذج للقصص القرآني الفريد، تضمنت الإشارة إلى خصائص القصة القرآنية، وهي خصائص متفردة أهمها ثلاث:
1- القصة القرآنية تمثل ذروة الحسن والجمال في الفن القصصي: {نحن نقصّ عليك أحسن القصَصِ} (يوسف : 3).
2- القصة القرآنية قصة تقوم على الحق، لا مجال فيها للخيال، ولا التزيد، ولا الاختلاق والافتراء: { مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(يوسف : 111).
3- القصة القرآنية ليست قصة للتسلية والمتعة وإزجاء الوقت، بل هي قصة تقوم على العبرة واستخلاصها: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ }(يوسف : 111).
هنالك سمة أخرى من سمات القصص القرآني، لها علاقة وثيقة بما نحن فيه، وهي أن القرآن الكريم لا يذكر شيئا من الأشياء ولا من الأحياء إلا إذا كان مفصليا في سياق القصة، لا يمكن الاستغناء عنه بحال. ونحن، في غير القصة القرآنية، ربما وجدنا حديثا تفصيليا عن الأشياء، أشكالها، وأحجامها، وألوانها، ثم لا يكون لتلك الأشياء فعل في السرد، ولا أثر في الحدث، فوجودها وعدمه سواء، ولا كذلك القصة القرآنية. ففي سورة يوسف ذكر لعدد من الشخوص، ولكننا لا نعرف من الأسماء إلا اسم يوسف، لأن الأسماء لا تعني شيئا: فهناك الأب، أو الأبوان، وهناك الإخوة، وعزيز مصر، وامرأة العزيز، وصاحبا السجن، ونساء المدينة، ولا نعرف اسم أيّ من هؤلاء، وإن كنا نعرف عنهم ما لابد من معرفته، حيث لا يغير معرفة الأسماء شيئا من أحداث القصة ودلالاتها.
وأما الأشياء فعندنا الجبّ، والقميص، أو القمصان الثلاثة كما سنرى، والسكاكين، والسقاية، أو صواع الملك، ولكل شيء من هذه الأشياء أثر مفصلي في سير الحدث، ولا يمكن الاستغناء عنه بحال، وكل تلك الأشياء أثرت في مسيرة حياة يوسف الذي انتهى به المطاف إلى أن يصير ممكنا له في الأرض. يؤثر في صناعة تاريخ منطقته، من مصر إلى فلسطين، وكان للباس اثر حاسم في صناعة ذلك التاريخ.
وتجدر الإشارة إلى أن قصة يوسف وردت مفصلة في القرآن الكريم، كما وردت مفصلة في التوراة. ومن المهم جدا ملاحظة الفروق القائمة بين القصة القرآنية والقصة التوراتية. وقد عنى الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله بعقد مقارنة بين قصة يوسف في كل من القرآن الكريم والتوراة، في كتابه: (الظاهرة القرآنية)، مبينا مواطن الاختلاف والائتلاف بينهما، ومن ذلك أن أموراً، بلغن أربعة عشر أمراً، وردت في القرآن الكريم ولم ترد في التوراة، منها أن القميص ذكر في القرآن الكريم ثلاث مرات، بينما لم يذكر في التوراة غير مرتين اثنتين.
ويمكننا أن نلاحظ أيضا، مما يتعلق بالتاريخ، أن التوراة تجعل فرعون هو صاحب مصر زمن يوسف، وأن يوسف صار غلاما لفرعون، بينما لا يرد ذكر فرعون البتة في القرآن الكريم، بل يرد ذكر الملك. وقد ثبت تاريخيا أن مصر، زمن يوسف، لم يكن يحكمها الفراعنة، بل كان يحكمها ملوك الهكسوس.
وأما قمصان يوسف، بحسب القرآن الكريم، فهي ثلاثة:
> قميص الإدانة: إدانة إخوة يوسف بالمؤامرة ضد أخيهم، فذلك قوله تعالى: { وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (يوسف : 17- 18)
وأما رواية التوراة فهي: ((فمرّ قوم مدينيون تجار فجذبوا يوسف وأصعدوه من البئر وباعوه للإسماعليين بعشرين من الفضة فأتوا بيوسف إلى مصر. ورجع رأوبين إلى البئر فإذا يوسف ليس في البئر فمزق ثيابه. ورجع إلى إخوته وقال: الولد ليس موجوداً، وأنا إلى أين أمضي؟ فأخذوا قميص يوسف وذبحوا تيسا من المعز وغمسوا القميص في الدم. وبعثوا بالقميص الموشيّ فأنفذوه إلى أبيهم وقالوا: هذا أثبته. أقميص ابنك ضم أم لا؟ فأثبته وقال: قميص ابني. وحش ضار أكله، افترس يوسف افتراساً))(التوراة : 28- 33).
فالرواية القرآنية تجعل يعقوب يكشف كيد الإخوة، بسبب الدم الكذب على القميص، ويقول: { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }(يوسف : 18). فقد بقي الأب متعلقا بأمل العثور على ولده يوسف.
أما الرواية التوراتية فتجعل الإخوة متمكنين من تضليل الأب عن كيدهم، حيث يقول: ((قميص ابني، وحش ضار أكله، افترس يوسف افتراساً)).
وإذا كان يعقوب، حسب القرآن الكريم، يقول: ((فصبر جميل)) فإن الرواية التوراتية تصوره في غاية الجزع، حيث نقرأ بعد ذلك:
((ومزق يعقوب ثيابه وشد مسحا على حقويه وتاح على ابنه أياما مثيرة، وقام جميع بنيه وبناته يعزونه فأبى أن يتعزى وقال: “إني أنزل إلى ابني نائحاً إلى الجحيم، وبكى عليه أبوه)).
لماذا إلى الجحيم، ويعقوب نبي، وولده يوسف نبي؟!
> قميص البراءة: وأما القميص الثاني فخبره كما يرويه القرآن الكريم هو:
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْعَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ}(يوسف : 22- 29).
وهكذا يتبين كيف راودت امرأة العزيز يوسف عن نفسه، وأنه تأبى عليها، والبيانيون من المفسرين الذين سلموا من الاسرائليات في تفاسيرهم بينوا كيف أن دخول ((لولا)) في السياق التعبيري دل على أن الهمّ من يوسف
لم يقع أصلا، كما في قوله تعالى: { لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخُسِفَ بِنَا } فالخسف هنا لم يقع أصلا بسبب المنّ من الله، والهمّ هنالك لم يقع أصلاً بسبب أن يوسف رأى برهان ربه، دون أن نشغل أنفسنا بطبيعة ذلك البرهان، الذي لا يمكن أن يكون- كما في بعض الروايات الإسرائيلية- أن يوسف رأى أباه يحذره ويقول له: إنك ستكون نبيا، وهذا فعل لا يليق بالأنبياء..
وأما امرأة العزيز فقد بقيت مصرة على مراودتها، فلما كاد يوسف ينفلت منها قدّت قميصه من دبر. فلما ألفيا سيدها لدى الباب وشهد شاهد من أهلها، وتبين أن القميص قدّ من دبر، قام القميص شاهداً على براءة يوسف.
وقد بقي إصرار امرأة العزيز على مرادها قائما حتى بعد ثبوت البراءة، ودعوة نسوة في المدينة شهدوا جمال يوسف وقطعن أيديهن، وكأن امرأة العزيز أرادت أن تقيم الدليل لهن على فطرية مرادها، وانتهت بالتهديد: {ولئن لم يفعل ما آمره ليسجننّ وليكونا من الصاغرين}، وكم بين نون التوكيد الثقيلة ونون التوكيد الخفيفة في هذه الآية من بلاغة وبيان، وكم من التصوير القرآني من حياء وكرم، مما يردّ سهام المتقولين. أما الرواية التوراتية، في هذا المشهد، فتقول:
((وكان بعد هذه الأمور أن امرأة العزيز مولاه طمحت عينها إلى يوسف وقالت ضاجعني. فأبى وقال لامرأة مولاه: هو مولاي لا يعرف معي شيئا مما في البيت وجميع ما هو له جعله في يدي. وليس في هذا البيت شيء فوق يدي. ولم يمسك عني شيئا غيرك لأنك زوجته فكيف أصنع هذه السيئة العظيمة وأخطئ إلى الله.
وكلمته يوما بعد آخر فلم يقبل منها أن ينام بجانبها ليكون معها. فاتفق في بعض الأيام أنه دخل البيت ليتعاطى أمره ولم يكن في البيت أحدٌ من أهله. فأمسكت بثوبه قائلة ضاجعني. فترك رداءه بيدها وفَرّ هاربا إلى الخارج. فلما رأت أنه قد ترك رداءه وهرب خارجاً صاحت بأهل بيتها وقالت لهم: انظروا كيف جاءنا برجل عبراني ليتلاعب بنا، أتاني ليضاجعني فصرخت بصوت عال. فلما سمعني قد رفعْتُ صوتي وصرخت ترك رداه بجانبي وفر” هارباً إلى الخارج. ووضعت رداءه بجانبها متى قدم مولاه إلى بيته. فكلمته بمثل هذا الكلام وقالت أتاني العبد العبراني الذي جئتنا به ليتلاعب بي. وكان عندما رفعت صوتي وصرخت أنه قد ترك رداءه بجانبي وهرب خارجا. فلما سمع مولاه كلام امرأ ته الذي أخبرته به قالت كذا صنع بي عبدك استشاط عليه غضبا. فأخذ يوسف مولاه وأودعه الحصن حيث كان سجناء الملك مقيدين. فكان هناك في الحصن))(التوراة : 7- 20).
وهكذا نرى مرة أخرى كيف أن ما كان من حقه أن يكون شهادة براءة يتحول إلى شهادة إدانة. لقد كان القميص الذي جاء إخوة يوسف عليه بدم كذب شهادة براءة في القصة القرآنية، وتحول في القصة التوراتية إلى شهادة إدانة. ومع امرأة العزيز كان اللباس في القصة القرآنية قميصاً قُدّ من دبر، برأ به الله به يوسف عليه السلام من تهمة الخيانة، فتحول إلى رداء يقوم شاهد زور على يوسف.
تنتهي القصة القرآنية باعتراف امرأة العزيز بخطيئتها وتبرئة يوسف عليه السلام، قبل أن يمكّن له في الأرض:
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(يوسف : 50- 52). وهذه صورة عالية من صور التوبة.
وأما القصة التوراتة فقد ضربت صفحاً عن كل ذلك وسكتت عن أمر الاعتراف والتوبة، وقفزت إلى أن يصبح يوسف ممكناً له في الأرض بعد تأويل رؤيا الملك.
> قميص البشرى: هو القميص الثالث في القصة القرآنية، وخبره كما يلي:
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (يوسف : 88- 96).
فهذا القميص الثالث، هنا أيضا، يكون له أثر محوري، ويكون حاملا البشرى بتحقق كل ما كان يرجوه أبو يوسف، بأن رد الله عليه بصره، ورد عليه أبناءه الثلاثة، وشهد تحقق الرؤيا التي بدأت بها السورة: {إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}.
أما القصة التوراتية فقد سكتت البتة عن أمر القميص الثالث، وإن كانت قد أشارت إلى الثياب في أكثر من موضع، إلا أنها إشارات لا تقدم ولا تؤخر، مثل هذا الذي نقرأه: ((وبعثوا بالقميص الموشى)) ((ومزق يعقوب ثيابه)) ((ونزع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف وألبسه ثياب بزّ وجعل طوقا من الذهب في عنقه)) ((فمزقوا ثيابهم وحمّل كل واحد حماره ورجعوا إلى المدينة)) ((وأعطى كل واحد منهم حلل ثياب، وأعطى بنيامين ثلاث مائة من الفضة وخمس حلل ثياب)).
وهذه كلها، كما نرى، تفصيلات لا تؤثر شيئا في مسار القصة.
د. حسن الأمراني