من يتتبع لغات العالم، وخاصة اللغات الأوروبية التي نحتك بها بشكل مباشر يجد أن لهذه اللغات حُماةً على مختلف المستويات، منها السياسية، وفي مقدمها السياسة الرسمية، ومنها الإعلامية على اختلاف أشكالها السمعية والبصرية والمكتوبة بالإضافة إلى الإلكترونية، ومنها العلمية والتعليمية، حيث إن لسان كل قوم هو ذاته لسان تعليمهم وعلمهم، ومنها الاجتماعية، حيث إن كل قوم يصرون على التحدّث بلسانهم الخاص، ويتعصبون لذلك، حتى ولو جمعهم مع الآخرين اتحادٌ أو تجمع سياسي أو اقتصادي.
آخر ما لفت انتباهي في هذا الباب، انتقاد وسائل إعلام فرنسية لما ورد من أخطاء إملائية في رسالة التعزية التي بعث بها “الإيليزي” بفرنسا، في وفاة أرملة الرئيس الأسبق لفرنسا (فرانسوا ميتران). وقد أحصت وسائل الاعلام هذه، ستة أخطاء إملائية كُبرى، في ثلاث فقرات قصيرة تضمنتها هذه الرسالة. بالإضافة إلى علامات ترقيم غير مضبوطة، ولتأكيد ذلك نشرت الرسالة مُصورةً على صفحاتها، وقد حملت تصحيحاً بخط اليد وبقلم مغاير كما يصحح الأستاذ الأخطاء الواردة في أوراق التلاميذ، وبعضُها عزّز وجهة نظره بالرجوع إلى بعض المراجع اللغوية، وخاصة المعاجم.
هكذا تكون وسائل الإعلام ذاتها وسيلة أساسية من وسائل حماية اللغة الفرنسية، ليس من الدخيل، أو من مزاحمة لغة أجنبية عن العباد والبلاد، فهذا غير وارد في لغة موليير، بل من الأخطاء، والأخطاء الإملائية بالذات، التي تعتبر في العادة من أبسط الأخطاء، إذا ما قورنت بالأخطاء في النحو أو الصرف أو التعبير، لأن هذه الأخطاء لا تبدو، في الغالب، إلا في الكتابة.
هذا عن الفرنسية، وطبعا في بلادها، فماذا عن العربية في بلادها أو بلدانها، من يتابع أخطاء الإملاء فيها؟ من يتابع أخطاء النحو فيها؟ من يتابع أخطاء الصرف فيها؟ من يتابع أخطاء التعبير فيها؟؟ هذا في حالة الا ستعمال، حتى وإن كان هذا الاستعمال داخل مَحْبِسَيْها : “الكتاب” و”القِسم الدراسي”. أما في حالة عدم الاستعمال أو التّهجين، نقول من يحمي لغة القرآن من هجمات اللغات الأجنبية، من يحْميها من التهميش، والإذلال؟ من يحميها من التهجين المعجمي وا لتركيبي والصوتي؟
رحم الله زمانا كانت وسائل الإعلام على اختلاف أشكالها، تقدم مواد وبرامج تحسس بقيمة اللغة العربية وتنبه على الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها المتكلم أو الكاتب، ورحم الله زمانا كان الذي يقف وراء الشاشة أو الميكروفون يبذل قصارى جهوده لأن يتكلم بلغة أقرب إلى الفصحى، أو على الأقل بلغة دارجة غير مهجنة… ر حم الله ذلك الزمان ووا أسفا على هذا الزمان، أصبحت فيه العربية غريبة بصوتها ومعجمها وتركيبها بل وحرْفها أيضا؛ حتى إنك تمر بأغلب شوارع مدننا وفي مقدمتها العاصمة العلمية للبلاد فترى فيها الحرْف العربي غريبا غريبا كل الغرابة. حتى ليُخيل إليك أنك في شوارع عاصمة موليير، فمتى يكون للعربية حماة في المستوى المطلوب؟ أم أن العربية لا بواكي لها؟!!
د. عبد الرحيم بلحاج