سمو الحضارات أساس سمو القيم التي تحملها الشعوب، وانحطاطها دليل على انحطاط المخزون القيمي، لذلك فإن أي مشروع يروم إصلاح الأوضاع في بلداننا العربية والإسلامية، ولا يضع ضمن أولوياته إصلاح المنظومة التربوية وفق المبادئ والقيم التي قامت عليها حضارتنا في فجر انبثاقها يكون مآله الفشل… لقد حاول بورقيبة في تونس وأتاتورك في تركيا وغيرهما اتباع النمط الغربي في إعادة البناء الحضاري لبلديهما فكانت النتيجة ولادة مشروع دكتاتوري لم يأخذ من الحضارة الغربية إلا جانبها المظلم المتمثل في الجرأة على الدين والقيم، وكتم أنفاس كل من حاول التجرؤ على سلطة الحكم المطلق..
واليوم تأتي انتفاضة الربيع العربي لتعيد كتابة تاريخ هذه الأمة التي أُرِيدَ لها أن تبقى حبيسة الجهل والفقر والتبعية، فهل تلتقط الشعوب العربية الإشارة القيمية حتى لا تخمد الشرارة التي انطلقت من أجل تغيير الأوضاع… إن منظومة القيم قبل أن تكون هوية هي عنوان حضارة، تؤشر على وجودنا بين الأمم، ولو أن المسلمين فقهوا قيمة وجودهم ولاسيما في هذه الفترة العصيبة التي يمر بها الاقتصاد الغربي، وكيف أن المصارف الإسلامية حققت في هذه الفترة قيمة مضافة للاقتصاد العالمي، واستطاعوا أن يمكنوا لقيمهم في المجتمعات الغربية من خلال تقديم اقتصادهم المبني على الشريعة الإسلامية كجزء من الحل، لعرف العالم قيمة هذا الدين الذي ارتسم في عقول الكثير منهم بالعنف والتدمير.
ففي الوقت الذي تقدم فيه الصين نفسها كمنقذ للاقتصادات الغربية المتهالكة، نجد الدول النفطية تسارع إلى تكديس الثروة والتطاول على البنيان.. والإنسان الغربي له ذاكرة قوية تأبى النسيان، وهو بعد تخطيه لهذه الأزمة سيتذكر الصين كشعب وكحضارة استطاعت بإنسانيتها أن تقف إلى جانبهم إبان الشدة، ولكن كيف يمكن لأنظمة تأبى مساعدة حتى إخوانها في الدين وفي اللغة أن يخطر ببالها تصدير قيمها للغرب؟!.
ذ. أحمد الأشـهـب