عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل : يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال : “أتقاكم” فقالوا : ليس عن هذا نسألك، قال : ((فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله“. قالوا : ليس عن هذا نسألك قال : فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فَقُهوا))(متفق علي)ه، وفقهوا بضم القاف على المشهور، وحكي كسرها، أي : لموا أحكام الشرع.
قرر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الشرف يكون بالأعمال ويكون بالنسب، ولكن لا يغني النسب إذا كان العبد في شباك المعاصي صريع العطب، فلهذا كانت إجابته الأولى عن أكرم الناس فقال أتقاهم إشارة إلى نسب الأعمال الصالحة، وكانت الإجابة الثانية إشارة إلى كرم النسب يوسف ابن أنبياء الله.
والإجابة الثالثة أشار إلى شرف الفقه والعقل فقد كان عبد الملك بن مروان يأمر المنادي أن ينادي في موسم الحج ان لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رياح وقد كان عطاء أسود شديد السواد، أعور في إحدى عينيه، أفطس الأنف، أجعد الشعر، يجلس أمامه آلاف الطلاب وهو أمامهم موضع الإجلال والاحترام.
ولما فتح المسلمون مصر رغب المقوقس في المفاوضة مع المسلمين فأرسل إليه عمرو بن العاص رضي الله عنه وفدا فيهم عبادة بن الصامت وكان أسود اللون فلما دخلوا على المقوقس تقدم عبادة فهابه المقوقس سواده فقال لهم : نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره، فقال أعضاء الوفد إن هذا الأسود أفضلنا رأيا وعلما وهو سيدنا والمقدم علينا، فقال لهم : وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم وإنما ينبغي أن يكون دونكم؟ قالوا : كلا! إنه وإن كان أسود فإنه أفضلنا سابقة وعقلا وليس ينكر السواد فينا، فقال له عبادة عندما رأى فزعه من سواده : إن جيشنا فيه ألف أسود أشد سوادا مني.
ذ. عبد الحميد صدوق