كان والدي رحمه الله حريصاً على أن يعرّفني بالعلماء والمجاهدين وأنا بعدُ طفلٌ ويأمرني بتقْبيل أيديهم ويلتمس فيهم رحمهم الله الدعاء لي وله، وجُلّ هؤلاء من القبائل والبوادي ولما كبرت ارتبطت ببعض هؤلاء رحمهم الله برباط الصداقة والمحبة، وكان يختار لي من لا شبهة فيه دون أن يطعن في أحد، وتربيت على ربط أولادي بأعز إخواني وأصدقائي بالمغرب والمشرق وإسبانيا وقد أكرمني الله بثلة من الشيوخ والعلماء الكبار وثلة من الأقران والطلبة وقد وفق الله في الاستفادة والإفادة كما أكرمني الله بربط بعض أولادي ببعض شيوخي ورفقائي من المشرق والمغرب حتى تستمر تلك العلاقة الكريمة إلى ما شاء الله، وما قيمة الدنيا بدون أخوة ولا علاقة ولا توريثها لمن بعدك من الأبناء والأصدقاء.
وقد كان كثير من العلماء والفضلاء يصطحبون معهم أبناءهم في الرحلة إلى العلماءالتماساً لإجازتهم معهم وقد كانوا صغاراً تشرُّفاً وحرصاً على تشجيعهم على مواصلة طلب العلم وإغناء كتب إجازاتهم بأسماء الرجالة، وتاريخ العلم أو العلوم الإسلامية غنيٌّ بهذه الكتب، وما تزال هناك الكثير من كتب الإجازة ضائعة أو مختفية، وربما أصبح بعضها مُُهْترئاً وهباءً وقد شاهدنا بعض ذلك بعد فوات الأوان.
إن بعث هذه السنة المفيدة واجب في عنق الآباء حتى تتسع دائرة التعاون والمعرفة وفي ذلك خيرٌ كثير.
أ.د. عبد السلام الهراس