من ينظر إلى واقع الإعلام بشتى أنواعه المرئي منه والمسموع يلاحظ قاسما مشتركا بين جميع وسائل الإعلام إلا ما قل منها؛ ذلك القاسم هو التركيز على عرض صور فاضحة بمناسبة أو بدون مناسبة، ويبدو للعيان التعمد الواضح بإظهار بعض الوجوه والصور لجلب المشاهد ولو عارض ذلك القيم الإسلامية والأخلاقية للفئة المستهدفة؛ ولو أخذنا الفضائيات التي تنقل الأخبار كمثال؛ فسنجد التركيز على العنصر النسوي في عرض النشرات أمر يؤخذ بعناية واهتمام، ولا يقدم من المذيعات إلا من توفر فيها عنصر إثارة الغريزة لدى المشاهد؛ فيتحول المشاهد {طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} من متابع للخبر إلى متابع لناقلة الخبر، ولا أدل على هذا مما وقع فيه عدد من أسرى المتابعين لشخصيات معينة؛ أفصحوا في عدد من مواقع الشبكة العنكبوتية أنهم يتابعون النشرة لما تكون فيها فلانة أو علانة، وآخرون فعلوا أكثر من ذلك؛ فدونوا في حق بعضهن مدونات سجلت بأسمائهن، وأكثروا القيل والقيل حول أخبارهن وأوصافهن، حالهم أشبه بمجنون ليلى الذي أعمى الله بصيرته.
وعدد من البرامج تتابع لا رغبة في مضمونها، وإنما إعجابا بشكل المذيعة لدى الذين {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} وقد تفطن القائمون على الإعلام لهذا العنصر الذي يجذب هذا الصنف من مرضى المشاهدين؛ فتنافسوا في تطويره وتسابقوا في تشكيله، وطوروا مذيعاتهم مع آخر موضة ظهرت، ومن تعذر معها ذلك أجريت لها عملية معنوية بغسل دماغها لتفعل، أو حسية بتغيير شكلها أو الزيادة أو النقص في عضو من أعضائها؛ وقد وصلت عمليات العضو الواحد أكثر من عملية لدى بعض المذيعات.
ولا غرو أن نجد مقابلات التوظيف في المجال الإعلامي يراعى فيها جانب الشكل بعنايةودقة؛ ومن كان مظهرها مظهر حشمة وعفاف؛ فلا مكان لها للظهور على الشاشة إلا إن تنازلت، أو ظهرت بنصف حجاب؛ كحال عدد من المذيعات التي يطلق عليهن اليوم: “المذيعات المحجبات”، وإلا وضعت في الكواليس في خدمات لا تظهر فيها للمشاهد.
وإذا كانت بعض المؤسسات الإعلامية الناشرة للفاحشة بوسيلة أو أخرى حتى التي تنقل الأخبار منها، تومئ لمذيعاتها بالظهور بشكل فاضح؛ لجلب الزبون؛ فإن بعض المذيعات وما أكثرهن يعمدن إلى التبرج السافر عن طيب نفس وطواعية، بل ونقل عن بعض الوسائل الإعلامية الشهيرة أن سبب الخلاف بين إدارتها ومذيعاتها كان سببه أحيانا اللباس؛ إذ تجد المذيعة تظهر بمظهر غير لائق والإدارة قد يكون لديها نوع من التحفظ أو تجد العكس.
ونجد التدقيق الكامل والعناية الخاصة بالبرنامج الذي تقدمه امرأة أكثر من العناية بالموضوع؛ والبرامج النسائية التي جلبت اهتمام عدد من المشاهدين في الغالب يكون سبب الاهتمام بعيدا عن فحوى البرنامج ومضمونه؛ سيما إن كانت المذيعة تعمد إلى وسائل إغراء فاضحة في أدائها؛ كتعمد بعض الإشارة والحركات، وإظهار المفاتن والتغنج بها؛ بمباركة من القناة التي تعمل بها.
واللجوء لهاته الوسيلة جاء بعد الفشل في نشر مواد نافعة ومضامين مثيرة تستحق المتابعة والمشاهدة؛ فلما فشلت هاته الوسائل في مخاطبة العقول التجأت إلى مخاطبة الشهوات والغرائز؛ التي قل من يصمد أمامها، وكما يقال: “يصمد الرجل أمام دبابة ويصعب عليه أن يصمد أمام امرأة” إلا من عصمهم الله من المومنين.
ولم يقتصر الأمر على المجال المرئي فقط بل حتى الإعلام المسموع يعمد فيه إلى اختيار الصوت الرخيم الذي يختار بعناية ودقة للتأثير في قلوب محبي الفاحشة، وفي أحايين كثيرة تجد شريحة واسعة غير راغبة في الاستماع لما يقال؛ بل رغبتها الاستمتاع بالصوت-ولله في خلقه شؤون- ومن اطلع على الخبايا رأى العجب العجاب، والأمر نفسه تعمد إليه بعض الجرائد التي أصبحت الصورة الفاضحة وسيلتها السامية لتحقيق النشر ورفع نسبة المبيعات بصورة غاية في الخسة والعري والدناءة؛ فتستهوي الذين لا يغضون أبصارهم؛ ويشترون الجريدة لا حبا فيها؛ بل للنظر في فضائحها؛ وهكذا يتطور الأمر شيئا فشيئا؛ حتى أصبح الأمر ثقافة لدى شريحة واسعة في المجتمع؛ فأصبحت صورة المرأة سيما ذات الشكل الجذاب التي تؤثر في مرضى القلوب خير أداة لجلب الزبون.
ولم تقتصر وسيلة استعمال المرأة في هذا على مجال الإعلام فحسب؛ بل تجاوز الأمر إلى قطاعات ومجالات أخرى واسعة؛ فأصبح التاجر في محله أيضا يستعين بفتاة سافرة معه تقابل الزبون وتخاطبه بكلام ناعم، وتغنج فاضح؛ لا يرضي الله ورسوله والمومنين، جلبا للزبون وتكثيرا للزوار؛ الذين لا يقصدون المكان بقدر ما يقصدون من فيه؛ على حد قول القائل:
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديار
وفعل الفعلة نفسها أيضا أصحاب المحلات على اختلاف أنواعها وبضائعها، وصارت المرأة وسيلة هامة؛ تجلب الزبون بصورتها، ويأتي مرضى القلوب رغم أنوفهم وإن لم تكن لهم حاجة في البضاعة ويترددون على المحل دون أدنى رغبة في ذلك؛ سوى النظر والمشاهدة.
وهذا الأسلوب في الإغراء بالمرأة واتخاذها مطية لتحقيق أغراض خسيسة؛ مؤامرة في أصلها يهودية، وليس الأمر وليد اللحظة؛ بل تفطن له اليهود قديما؛ لما عمد أحدهم إلى تعرية امرأة مسلمة في سوق يهود بني قينقاع وكانت عفيفة محتشمة؛ كحال المسلمات يومئذ؛ فجلست واغتاظ اليهود من تسترها؛ فعمد أحدهم إلى كشفها، وهي جالسة بحيلة ارتكبها؛ حيث ربط ثيابها من الأسفل وأخذ طرف ثوبها من الأسفل، وربطه إلى طرف خمارها، المتدلي على ظهرها؛ فلما قامت ارتفع ثوبها من ورائها، وتكشفت أعضاؤها؛ فضحك اليهود منها؛ فصاحت المسلمة العفيفة، وتمنت لو قتلوها ولم يكشفوا عورتها؛ فلما رأى ذلك رجل من المسلمين سل سيفه-غيرة على عرض المسلمة-، ووثب على الصائغ فقتله؛ فشد اليهود على المسلم فقتلوه؛ فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، وأن اليهود قد نقضوا العهد وتعرضوا للمسلمات، حاصرهم حتى استسلموا، ونزلوا على حكمه.
ولما علم أصحاب الشهوات أثر هذا السلاح الفعال لدى الشريحة التي يغيب لديها الحس الديني استكثروا منه، وصار من كثرته أمرا عاديا وطبيعيا لدى فئات من الناس، بينما هو عمل في غاية الخسة والدناءة؛ فضلا عن كونه لا يرضي الله ورسوله وذوي الفطر السليمة من المومنين.
والحرة لا ترضى بنفسها أن تكون مطية تهان بهذا الشكل لجمع الثروة، وإن كان موقعها في أفخر المحطات التي يشار لها بالبنان.
وإذا كان حال الإعلام كذلك؛ فإن المحتجبة والمحتشمة بحجابها الشرعي وليس حجاب الخديعة والموضة؛ لا مكان لها في إعلام العصر؛ لأنها لا تظهر المفاتن؛ التي تثير المشاهد، وبالتالي فإن تحقيق نسبة محترمة من المتابعة لن يكون اللهم إذا كانت تتمتع بحرفية عالية ومهنية خارقة، تزاحم بها الرجل وتثبت تفوقها؛ ولذا فإن العفيفة والمحتشمة صورتها غير مقبولة شكلا لدى الإعلاميين من أصحاب الذوق الفاسد والإحساس الهابط، وما منعها أن تقبل نشراتها إلا أنها احتشمت وآمنت واتبعت، وكفاها ذلك شرفا وفخرا.
عبد الكريم القلالي(ü)
Karim_kallali@hotmail.com
——
(ü) استاذ التعليم العتيق، وعضو رابطة الكتاب والأدباء العرب. حاصل على شهادة: “العَالِمية”.