تـعـريــف:
- الدعوة إلى الله تعالى فرع من شجرة المحبة التي غرسها الإسلام في قلوب أتباعه، محبة الناس ومحبة الخير لهم.
- الدعوة إلى الله تعالى تعبير صحيح عن الرغبة في انتشار الهداية والنور.
- الدعوة إلى الله تعالى تجسيد للشعور بوحدة الإنسانية وكسر الأنانية التي تؤدي إلى احتكار المعرفة والهداية مهما اشتدت حاجة الناس إليها ومهما كانت النتائج.
- الدعوة إلى الله تعالى من أفضل القربات وأحبها إلى الله تعالى وأعظمها ثوابا. قال تعالى : {ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}(فصلت).
وقال النبي لعلي بن أبي طالب : >لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت<.
- الدعوة إلى الله تعالى وظيفة الصفوة من خلق الله تعالى : الأنبياء والرسل الكرام وعلى رأسهم سيد الدعاةمحمد بن عبد الله الذي قال الله تعالى له: {يا أيها النبيء انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا}( الأحزاب).
وقال تعالى : {وانه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قال إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا}(الجن).
وهذا نوح : {قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ولم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا…}(نوح).
- الدعوة إلى الله تعالى فرض كفاية تجب على كل من استكمل شروطها ومن جميع المواقع حتى تتحقق الكفاية بحيث تصل الدعوة إلى جميع الناس وتقوم حجة الله على خلقه: {رسلا مبشرين ومنذرين ليلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وليتم تغيير المنكر بالوسائل الثلاثة : اليد واللسان والقلب.
هذا ومن لم تتوفر فيه شروط الدعوة إلى الله تعالى وهو قادر على استكمالها وجبت عليه، قال تعالى : {وما كان المومنون لينفروا كافّة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}(التوبة) وقال تعالى : {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر…}(آل عمران)
- الدعوة إلى الله تعالى شكر لنعمة الهداية، قال تعالى : {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر..}(آل عمران).
- الدعوة إلى الله تعالى شرف هذه الأمة ووظيفتها قال تعالى : {كنتم خير أمة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله..}(آل عمران).
أخــلاق الـدعـاة
لا يشك أحد في أن رسول الله هو قدوتنا في كل شيء وأنه بلغ الذروة والقمة للخير في كل شيء. فإن كل باغ للخير لا يجد نموذجا ومثالا أفضل من رسول الله ولذلك كانت أخلاق الدعاة محاكاة لأخلاق سيد الدعاة محمد بن عبد الله، وحديث القرآن الكريم عنه في هذا المجال وسيرته العطرة معين لا ينضب من أخلاقه الدعوية ومنها:
1- الفقه :
قال تعالى : {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}(التوبة).
وقال تعالى : {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}(يوسف).
وقال : >من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين<.
وأقصد بالفقه، فقه الدين وفقه الواقع وفقه الدعوة :
- فقه الدين الذي فيه صلاح الناس في دينهم ومعاشهم ومعادهم والذي يقدمه الداعية كمشروع بديل عن كل المشاريع وسلوك بديل عن كل سلوك ومنهج بديل عن كل منهج فلا يمكن أن يصلح به ويدعو إليه وهو جاهل به.
- وفقه الواقع الذي نعيش فيه ونتفاعل معه ونلاحظ مواقع الاستقامة والانحراف فيه ونريد أن نصلحه بالإلغاء والإقرار والتعديل، نعرف مواضع الخلل وما تسبب فيها وما ينتج عنها لنقدم من الشريعة الحل الأنفع والأنجع.
- فقه الدعوة إلى الله : أصولها وقواعدها ومرتكزاتها مع مراعاة عادات الناس وتقاليدهم ومراعاة النفوس وعللها وميولاتها وما تحتاجه من خطاب أو ما تستحقه منه، قال تعالى : {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}(النحل).
2- اليقين :
واليقين هو درجة من العلم مصحوبة بالتأكد من المعلوم تأكدا لا يسمح بأي قدر من الشك.
قال تعالى: {وجعلنا منهم أيمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون”. (السجدة) قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : “بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين”.
ويشمل اليقين أنواعا منها :
- اليقين فيأن شريعة الإسلام هي الحل لكل مشكلاتنا، وأنها أفضل الشرائع التي أنزل الله تعالى بها أفضل كتبه وآخرها، وحفظه ونفى عنه الباطل والاختلاف، وتحدى به الثقلين جميعا، وجعله مهيمنا على كل الكتب، وجعله وعاء للشريعة وأحكامها.
واختار له أفضل البيان، سنة رسول الله .
واختار له أفضل الرسل من الملائكة {نزل به الروح الامين}.
واختار له أفضل الرسل من البشر ليبينه قولا وفعلا وتقريرا.
واختار له خير الأمم لتكون نموذجا يطبق فيه هذا المنهج الأمة الشاهدة على الأمم.
- اليقين بأن الشريعة ترشد سلوك الإنسان من خلال توجيهات شاملة وكاملة وشافية وكافية لا يند عنها سلوك ولا توجيه من ذلك:
- إن الشريعة تربط الإنسان باليوم الآخر يوم لا ريب فيه يجمع الله فيه الناس، توضع الموازين القسط، لا ظلم ولا هضم، عدالة مطلقة، جزاء وفاق، عطاء حساب…
فيه ما لا يمكن للإنسان إدراكه مهما بلغ من الذكاء سواء ماينتظر المجرمين من العذاب الأليم أو فيما أعدّ الله من الكرامة للمتقين، يوجه سلوكه في موضعين خطيرين :
إن كان مظلوما في موضع الضعف،
أو كان ظالما في موضع القوة.
- اليقين في أن أي خروج عن الشريعة تترتب عليه مشاكل وأزمات، ويكون حجم هذه المشاكل على قدر ابتعاد هذا الإنسان عن الشريعة سواء كان الخارج فردا أو جماعة أو دولة أو أمة.. وسواء كان الخروج عن الشريعة عن علم كمن قال الله تعالى فيه: {أرايت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله..}( الجاثية)، أو كان الخروج عنها عن جهل وإعراض, وسواء كان الخروج عنها بتحريم ما أحل الله (وهو التشدد والتنطع)، أو كان الخروج عنها بتحليل ما حرم الله ورسوله وهو الميوعة والتسيب.
3- الاعتزاز بهذا الدين :
قال تعالى : {الذين يقولون ربنا إنّنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار..}(آل عمران)
وقال تعالى: {ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنّني من المسلمين…}(فصلت) دون الحاجة إلى تقية أو اختفاء.
الذي يعتز بالإسلام يعتز بالانتماء إليه ويعتز بشرائعه ويراها خيرا وبركة ورحمة ويدعو إليها من هذا الموقع، يغري الناس باتباعها والالتفاف حولها كمن يدعو الناس إلى مأدبة ومائدة فيها ما يشتهى، وهل هناك أفضل من مأدبة الله تعالى مأدبة القرآن الكريم؟.
نعم الشرائع فيها كلفة ولكنها بالإخلاص والإقبال سرعان ما تتحول إلى ألفة ثم إلى متعة.. نموذج الصلاة التي قال فيها : >وجعلت قرة عيني في الصلاة<.
4- التواضع :
فإن النفوس عادة ما تنفر ممن يستكبر عنها وينظر إليها من عل. والمتواضع يصل إلى قلوب الناس فيقبلونه ويقبلون ما يدعو إليه، وهو تواضع في عزة، قال : >من تواضع لله رفعه<.
والتواضع في عزة هو أن تضع نفسك لمن هو دونك في الدنيا حتى تشعره أنهليس لك بدنياك عليه فضل، وأن ترفع نفسك لمن هو فوقك في الدنيا حتى تشعره أنه ليس له بدنياه عليك فضل.
5- صفاء القلب :
يجب أن يكون قلب الداعية إلى الله تعالى صافيا من أي شائبة، وممتلئا بكل فضيلة من رأفة ورحمة وهو ما عبر عنه القرآن الكريم بالحظ العظيم في قوله تعالى : {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.
ينشأ عن هذا القلب أن صاحبه يتألم لكل ما يصيب الناس من العنت والضنك ويحرص على هدايتهم وإيصال الخير إليهم أو إيصالهم إلى الخير، وهكذا وُصف رسول الله في القرآن الكريم، قال تعالى : {لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمومنين رؤوف رحيم}.
وخص الصبر بالذكر مع أنه من الحظ العظيم لأنه مما تشتد الحاجة إليه وهو صبر خاص: صبر على الثبات على فعل الخير وقول الخير وعدم مقابلة الشر بالشر قال تعالى في أثناء حديثه عن فضل الدعوة وشرف الدعاة : {ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.
المؤمن الداعية يفعل الحسنة والآخر يقابلها بالسيئة، دعوة بدعوة، إذا رد المؤمن المحسن بالسيئة فقد انتصرت دعوة الشر والسوء. قال تعالى : {ادفع بالتي هي أحسن}، يدفع ماذا؟ يدفع السيئة كما قال تعالى : {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون}(المومنون : 96). وقال تعالى : {ويدرؤون بالحسنة السيئة..} ولاشك أن هذا السلوك العظيم يحتاج إلى صبر على تحمل السيئة في مقابل الحسنة، ويحتاج إلى صبر يواجه به نزغ الشيطان، ويحتاج إلى صبر يوصل به الخير والهداية …ولهذه الأخلاق أثر عميق في نفوس الناس والروايات كثيرة في الباب : قالت هند بنت عتبة لرسول الله :”ما كان أهل خباء أحب إليّ أن يذلوا من أهل خبائك واليوم ما أهل خباء أحب إليّ أن يعزّوا من أهل خبائك.فقال لها النبي :”وأيضا” أي ستزيدين حبا.
والمرأة العجوز التي كانت لا تعرف النبي ولكنها كانت تسمع عنه وتردد ما يقال من أنه ساحر.. ولما حمل عنها حزمة الحطب التي أتعبتها رأت أنه من حقه أن تحذره من الساحر وهي لا تدري أنها تتحدث إليه فلما أوصلها إلى بيتها قال لها :”أنا محمد” فقالت على الفور : أشهد أنك رسول الله”.
6- القدوة في الخير :
قال تعالى : {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون}(الزمر) إن من عوائق الدعوة إلى الله تعالى أن يخالف فعل الداعية قوله فيكون بفعله ناقضا لقوله، ويكون حجة على نفسه، وهو سلوك يربأ عنه العقلاء قال تعالى: {أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون؟}(سورة البقرة) ولأن الناس يتأثرون بالمواقف وبالأفعال ليروا نموذجا صالحا، ولا يخلو الزمان من قائمين لله بالحجة، هؤلاء الأتقياء هم حجة الله على خلقه، وقد اهتدى بهم الكثير لأنهم أهل للاتباع ولو لم يتكلموا.
ولنا في تاريخ الأمة نماذج رائعة كنموذج الإمام علي ] في مثوله أمام القاضي شريح (وهو يومئذ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين) ليفصل بينه وبين يهودي سرق درعه فيحكم القاضي لليهودي لعدم اكتمال الأدلة بعد أن رفض شهادة أحد السبطين لأبيه مما أذهل اليهودي فأعلن على الفور إسلامه وقال : “هذا هو الحق الذي قامت عليه السماوات والأرض”.
ولاشك أن غياب القدوة الصالحة مشكل كبير في الدعوة إلى الله تعالى وهو فتنة قال تعالى : {ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا} لأنهم كانوا كما أخبر القرآن الكريم عنهم : {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه}.
ولابد من التنبيه، في هذا الموضع، أن القدوة لا تعني العصمة أن يوضع الدعاة إلى الله تحت المجهر ويحصي الناس عليهم كل صغيرة وكبيرة، فالداعية بشر كبقية الناس يتجنب في أكثر الأحوال ما حرم رب الناس ويمتثل قدر المستطاع أوامره، ولكنه قد يخطئ كما يخطئ عامة الناس فلا يجب أن يجعل الناس من خطئه حجة للطعن فيه وفي الدعاة والدعوة والإسلام.. هذا لا يفعله إلا مريض.
د. لخضر بوعلي