> المؤتمر فاق في نتائجة مؤتمرات عديدة عقدت في موضوع القرآن الكريم وعلومه
> الأمة بحاجة إلى علماء راشدين ومنهج سديد
> الإعلام الإسلامي يعاني تحديات ويحتاج إلى تجديد وتطوير
> أولا مرحبا بكم الأخ أحمد طاهر مدير تحرير مجلة الفرقان الغراء، بداية ما هو تقييمكم لنتائج المؤتمر العالمي للباحثين في القرآن الكريم وعلومه؟
>> وأنا -بدوري- أشكركم على جهودكم في خدمة رسالة القرآن، وأهلاً وسهلاً بكم. لقد تشرفت بحضور المؤتمر القرآني العالمي الأول الذي احتضنته مدينة (فاس) التاريخية الجميلة، وكم أسعدني حضور هذه النخبة الواسعة من علماء الأمة، فلقد أجادوا وكان حضورهم لافتاً وجهدهم العلمي بارزاً، وشكلت أوراقهم خلاصة جهود الأمة في خدمة القرآن الكريم وعلومه، تبدّى ذلك من خلال محاوره، التي أبدع القائمون على المؤتمر في صياغتها وترتيبها، فأشكرهم -بهذه المناسبة- شكراً جزيلاً وعلى رأسهم فضيلة الأستاذ الدكتور الشاهد البوشيخي، الذي كان فارس هذا الميدان، وكذا فضيلة الدكتور مصطفى فوضيل، الذي بذل جهداً لا ينكر في إدارة المؤتمر.
وإذا كان هذا المؤتمر هو الأول الذي يعقد في هذا الموضوع الكبير: “جهود الأمة في خدمة القرآن وعلومه”، إلا أنه فاق في نتائجه مؤتمرات عديدة عقدت في القرآن وعلومه، كيف لا، وقد خرجنا بحصيلة علمية ثرة في الشأن القرآني، وتفاعل الحضور الكثيف الذي أمّ قاعة المؤتمرات مع العلماء أيما تفاعل، وهو حضور لم أجده في مؤتمرات عديدة حضرتها، وإن ما خلص إليه المؤتمر من نتائج وتوصيات كان بعضها من الأهمية بمكان، مثل الدعوة إلى إنشاء رابطة عالمية للباحثين في القرآن وعلومه لتجمع الشتات وتوحد الجهود، وكذا التركيز على إعادة القرآن إلى موقع الصدارة من حيث التأطير المفاهيمي والمصطلحي والمنهاجي في مختلف فروع العلم، وأيضاً إنشاء بنك معلومات إلكتروني يجمع تأليفات علوم القرآن ويعمل على تبويبها وفهرستها.
نأمل أن يكون هذا المؤتمر جسراً واصلاً إلى المؤتمر الثاني بإذن الله، الذي نتمنى أن يكون ممهداً لتطبيق القرآن الكريم في واقع الحياة.
> ربط المؤتمر مسألة بعثة الأمة واستعادتها لدورها في الشهود الحضاري بالعودة إلى القرآن الكريم وعلومه وتحرير المسألة العلمية والمنهجية على أسس سديدة ورشيدة، كيف ترون هذه القضية وسط مشاريع عديدة للنهوض والإصلاح التي عرفتها الأمة منذ قرنين؟
>> لا شك أن القرآن الكريم الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}، والذي يحوي بين دفتيه منهجاً متكاملاً للحياة بأشكالها العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالإضافة إلى الروحية والعقدية، هو أساس ثقافة هذه الأمة وأساس نهوضها..
إن دين الله حق لا أرى فيه ارتياباً
وإذا كان كثير من المسلمين في الماضي والحاضر – علماء وغيرهم – لم يفطنوا إلى ما ينطوي عليه القرآن من قوة محركة كبرى للنهوض بهذه الأمة، وإذا كان بعضهم قد أساءوا فهم كثير من آيات القرآن فهماً رشيداً، فإن هناك من المسلمين عرفتهم ساحات الإصلاح مجددين، فما محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني ومحمد رشيد رضا، وحسن البنا، ودعاة الإصلاح في المغرب العربي، وفي عدد من بلدان المسلمين، إلا دليل على هذا الإصلاح والنهوض، وليست العصمة إلا لرسول الله ، ولكن حسبهم أنهم قدّموا ما استطاعوا وأجرهم على الله. وأنا أرى أن ما طرح في مؤتمر (فاس) لجدير أن يشكل أرضية لفهم سديد لعلوم القرآن ومنهجيته إذا تم الاتفاق على تحديد المصطلحات، فمثلاً (الإعجاز العلمي) ليس هناك اتفاق على هذه التسمية ، هل هو إعجاز علمي، أم إعجاز بياني، أم إعجاز الخلق، أم غير ذلك وهو مثال من أمثلة عديدة. وكذلك من المهم جدّاً الاتفاق على فهم النصوص فهماً شاملاً ومتكاملاً، وأيضاً استخلاص الهدى المنهاجي تفكيراً وتعبيراً وتدبيرا -كما قال الأستاذ البوشيخي حفظه الله-. والقرآن -حقيقة- هو الإطار الجامع للعلوم، والعلوم في خدمته، والأمة التي يجعلها القرآن في حراك دائم، لا بد واصلة إلى مبتغاها، ومتجاوزة أخطاء السابقين، وكلما زاد منسوب الحرية والنقد الهادف، والتعاون على الوصول إلى الحقيقة، تقاربت الأفهام، وتآلفت القلوب، وكان ذلك مدعاة لبعث جديد للأمة.
> نلاحظ من جهة أخرى أن المؤتمر حرص أيضا أن يجعل من مسألة التنسيق والتكامل والمشورة العلمية مسألة تستحق العناية في تدبير جهود الأمة وترشيدها، فكيف ترون أهمية هذه القضية في واقع الأمة حاضرا ومستقبلا؟
>> ظهر ذلك من خلال دعوته إلى تجاوز العمل الفردي المنعزل الذي أضر بالأمة كثيراً، فقد رأينا كيف كان هذا العمل ينتابه الخلل في مواضع عديدة منه، من أمثلة ذلك الجهود العلمية الفردية على صعيد التأليف في علوم القرآن، فكانت اجتهادات ليست في محلها، انبنت أحياناً على عدم إلمام باللغة العربية -وهنا أشكر المؤتمر حين أوصى بالتركيز عليها لدراسة علوم القرآن -، وأحياناً عدم فهم للسياق القرآني؛ هذا السياق الذي يعين على تدبر الآيات، وأحياناً عدم وجود ضوابط لتفسير القرآن، وأحياناً تأويل المعاني كابن عربي قديماً، ومحمد شحرور حديثاً، وأحياناً الشطط في موضوع الإعجاز العلمي عند غير الملمِّين بالعلوم الكونية الحديثة، أما الإعجاز العددي فلم يتفق العلماء بشأنه حتى الآن وإن كنا لا ننكره، وغير ذلك من الاجتهادات.
من هنا كانت المشورة العلمية حاجزاً دون الوقوع في الزلل أو الخطأ أو التخطئة أو الحكم بغير أسس دقيقة.. وإذا كان العلماء بإزاء معضلات كثيرة تواجههم في طريق جهدهم العلمي، فمن باب أولى أن يجدوا الحلول لها باعتماد المشورة العلمية، ولا أحد فوق العلم، ومن تواضع لله رفعه، والأصل أن يصل العالم بالمتعلم إلى دليل ساطع وسبيل واضح، والعالم الحقيقي هو الذي كلما اتسعت آفاق علمه شعر بعظم جهله.
إن هذا كله ينسحب على القائد مع جنوده، والمعلم مع طلابه، والمربي مع تلامذته، وهكذا. ومن شأن هذا أن ينشئ واقعاً صحيّاً، يمنع من الانحراف نحو اليمين أو نحو الشمال، ويضع الأمة على طريقها الوسط، بعيداً عن الخلافات العميقة التي تشرذم الصف وتغري العدو بخلخلته من خلالها.
ألست ترى معي -يا أخي الكريم- أن الأمة بحاجة إلى علماء راشدين، ينقذونها من الغرق في بحر التحديات؟! أليست الأمة بحاجة إلى علماء واعين، يقودون الأمة نحو منهج سديد لا عوج فيه ولا اضطراب؟!
> بلى، ولكن ما هي أولويات البحث العلمي في الدراسات القرآنية اليوم؟
>> لعل من أهم هذه الأولويات في تقديري هي :
1- الاطلاع على مجهودات العلماء قديماً وحديثاً في تفسير القرآن بأنواعه، وأرى عدم اللجوء إلى مختصرات التفسير؛ نظراً لكثرة الحذف على الأصل.
2- الإلمام ما أمكن بقواعد اللغة العربية، وأسرارها، وآدابها، وبلاغتها، وغير ذلك.
3- المعرفة بعلوم الدين المختلفة، حتى تكون لدى الباحث نظرة شاملة سديدة وأقرب إلى الدقة.
4- القدرة على المقارنة والترجيح في ضوء الإمكانات التي وهبها الله له.
5- الإحاطة بالواقع والقدرة العلمية على الاستدلال من القرآن بما يؤدي إلى الإقناع، والعمل بمقتضاه، خدمة لرسالته وخدمة للأمة.
> أي دور للإعلام الإسلامي في خدمة القرآن الكريم وعلومه، وخدمة القضايا الكبرى للأمة المسلمة؟
>> إن الحضور الفاعل للإعلام الإسلامي سواء أكان مرئيّاً أم مقروءاً أم مسموعاً، لنقل رسالة القرآن الكريم في جوانبها العلمية، والسلوكية، والإيمانية، والدعوية، والواقعية إلى قطاعات كبيرة من الناس، فريضة وضرورة، والناس كما يتلقفون المعلومة مهما كان منشؤها، يمكنهم تلقف المعلومة عن القرآن والتفاعل معها، إن آية في القرآن يمكن أن تحيي نفساً طال ضلالها، لكن الإعلام -وهو اليوم صناعة وأي صناعة- يمكن أن يخدم رسالة القرآن وعلومه إذا روعي في ذلك: العرض غير الجامد، تنزيل الآيات على الواقع، استخدام التقنيات الحديثة المرئية والمسموعة والمقروءة، عرض القرآن وعلومه بقالب شيق مبسط بعيد عن التعقيد والغموض، ويمكن من خلاله إيصال رسالة للمتلقّي -أيّاً كان- فيتفاعل مع القرآن، وآياته، بل ويتحمس للعمل بها.. والحمد لله، فقد رأينا بعض القنوات الفضائية التي تركز على القرآن وعلومه، وبعض الصحف كصحيفتكم، ومجلة (الفرقان) في الأردن، وكذا إذاعات القرآن الكريم، كل هذا يصب في خدمة القرآن وعلومه في وجه الإعلام الموجه، الفاسد، المدمر للخلق والسلوك الحسن، وإن قضية الإسلام الأولى -قضية فلسطين- ارتبطت بالقرآن ارتباطاً وثيقاً، فها هو المسجد الأقصى -قبلة المسلمين الأولى ومسرى النبي -، يُذكر كلما تتلى آيات الإسراء فتهتز جوانج المسلمين أينما كانوا، وتتحرك مشاعرهم شوقاً إليه، وتوقاً لنصرته.. إن المسجد الأقصى لكل مسلم على وجه هذه الأرض، أفلا يذكرنا الإعلام الإسلامي به حين يذكر آية الإسراء في أوقات عديدة؟!
> كيف تقيمون تجربتكم في مجلة الفرقان وسط تجارب عديدة؟ وما تنصحون به في هذا المجال؟
>> مجلة “الفرقان” في الأردن، شقّت طريقها بفضل الله ثم بفضل هذا الكتاب العظيم، فكانت رسالته، وفرضت نفسها في ساحة الأردن وهي تكاد تكون المجلة الإسلامية الأولى في الأردن، كما لها حضور لا بأس به في “المغرب” الحبيب، وحضور أقل في عدد من الدول نتيجة شحّ الإمكانات المادية والبشرية، ورغم ذلك، فإن تجربة “الفرقان” وهي تصل إلى عددها الـ(112) قد تطورت، وصار لها كتابها وقراؤها، ولا أدّعي أن ما وصلت إليه “الفرقان” حتى الآن هو الطموح الذي نسعى إليه، و “الفرقان” وهي تتبنى رسالة القرآن، لتأمل أن تصل إلى مصاف المجلات والصحف الإسلامية في العالم الإسلامي، علماً أن “الفرقان” تم اعتمادها عضواً في رابطة الصحافة الإسلامية العالمية. و”الفرقان” -وهي تمثل رسالة الإعلام الملتزم، وتقع ضمن محيط ضَعُفَ فيه الإقبال على القراءة، خصوصاً عند فئة الشباب- تجد نفسها في خضم كمٍّ هائل من الصحف والمجلات ذات الوجبات الخفيفة، أو ذات التوجهات المنحرفة، أو ذات الصور الماجنة المثيرة، أو ذات المواد الهزيلة، ليحتّم عليها أن تجاري تطلعات القراء على مختلف مستوياتهم -وخصوصاً الشباب-،
وفي هذا الصدد: ينبغي الخروج بالإعلام الإسلامي من الجمود، وتوفير الدعم اللازم ماديّاً ومعنوياً، وتطوير أساليب الخطاب، ونشر المواد التي تخاطب العقول بشكل مباشر دون واسطة، واستخدام أحدث التقنيات التي تلفت نظر القارئ، وهذا ما أنصح به.
حاوره: الطيب الوزاني