عن أبي عبد الله بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال : كنا مع النبي في غزاة فقال : >إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم المرض< وفي رواية >إلا شركوكم في الأجر<(رواه مسلم).
ورواه البخاري عن أنس ] قال : رجعنا من غزوة تبوك مع النبي فقال : >إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا بها إلا وهم معنا، حبسهم العذر<.
إنْ صَحَّت النية أغنت عن صحة الأجسام في حصول الأجر، قال داود الطائي : رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية، وكفاك بها خيرا وإن لم تنصب. إن الأجسام الضعيفة التي لم تتحمل أعباء السير مع إمام الدعوة أدرك أصحابها الأجر بصدق النية وحسن المخبر، يقول ابن المبارك : رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية. وهذه حقيقة ما أشار إليه حديث الباب عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر ] قال : قال رسول الله : >إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم<(رواه مسلم).
فليست العبرة بأشكال الرجال أو صور الأعمال، ولكن العبرة بما ينطوي عليه قصد العبد من هدي أو ضلال، قرأ الفضيل رحمه الله تعالى : {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} فبكى وجعل يرددها ويقول : إنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا.
فما أخطر النفس وما أعظم حظوظها، فلهذا ساق بعد هذا الحديث حديث أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري ] قال : سئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله : >من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله<(متفق عليه).
عن ابن عباس أن رجلا قال : يا رسول الله إني أقف الموقف أريد به وجه الله، وأريد أن يرى موطني فلم يرد عليه رسول الله حتى نزلت {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}<(رواه الحاكم).
وعن أبي أمامة ] قال : جاء رجل إلى النبي فقال : أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال : لا شيء، ثم قال : >إن الله لا يقبل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه<(أخرجه النسائي).
ذ. عبد الحميد صدوق