لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ما يسمى بالتنمية البشرية، وكثيرا منا سمعوا عنها، وسمعوا عن الدورات التكوينية التي تقام لها من أجل التكوين والتأطير والتنمية.ووسط كل هذا ظهرت خلافات حول تحديد مفهومها، فهناك من ربطها بالأنشطة الاقتصادية وهناك من جعلها تقتصر على تنمية المهارات البشرية، فما المقصود من التنمية البشرية؟.
فالتنمية البشرية تعني الاهتمام بالإنسان جسدياً ونفسياً وروحياً وأخلاقياً، وعلمياً من جهة تعليمه وزيادة خبراته وتأهيله تأهيلاً مناسباً للقيام بكافة مهام حياته الشخصية أو العملية. ولا تقتصر مسؤولية هذه التنمية على الحكومة والدولة فقط بل هي مسؤولية الفرد ذاته ومؤسسات المجتمع.
ومن هنا نستخلص أن للتنمية البشرية بُعدين:
* الأول يهتم بمستوى النمو الإنساني في مختلف مراحل الحياة لتنمية قدرات الإنسان، طاقاته البدنية، العقلية، النفسية، الاجتماعية، المهارية، الروحانية….
* الثاني يهتم باستثمار الموارد المالية والأنشطة الاقتصادية.
لكن ما يهمنا بالدرجة الأولى ليس تعريف التنمية البشرية، ولكن هل استطاعت أن تؤدي الدور المنوط بها الذي من أجله أسست؟ فنحن لا ننكر الدور الإيجابي المنشهود منها، ولا نغفل عن المبادئ الأساسية التي تتضمنها ولكن هناك شيء آخر مهم وأساسي يجب أن نفكر فيه وهو يعتبر من الأعمدة الرئيسية التي تقف عليها التنمية البشرية والبساط الذي تمشي عليه.
هذا الشيء هو ما يمكن أن نسميه بالتنمية الربانية أو التربية الربانية.
فالتنمية البشرية كما سبق الذكر تهتم بتطوير الإنسان والبحث عن تفوقه، وهي تتكلم عن شيئين أساسين هما الإيجابية والسلبية بمعنى أنها تريد إنسانا تقنيا وآليا ونفعيا، ومن ثم فإن الشخص الذي يخضع لهذه التنمية يحرم من تنمية جانبه الروحي والوجداني والخلقي.
ومن هنا نصل إلى أننا في حاجة إلى البحث عن منهج يسهل الطريق ويسد الفراغ والنقص ويوازن ما بين الروح والبدن، فكان لا بد من الرجوع إلى المنهج الصحيح وهو المنهج الرباني الذي يضع أسس التنمية الربانية للإنسان والمجتمع في إطار من التوازن والتكامل.
الله سبحانه وتعالى يريد لنا الخير فهو خالقنا ورازقنا، أرسل رسوله الكريم ليهدينا إلى الصراط المستقيم، والمقصود بالصراط المستقيم، أقصر طريق بين نقطتين لا توجد فيه تجربة ولا خطأ بل هو منهج رب العالمين، والعجيب والجميل في هذا المنهج هو أنه أسهل المناهج.
فعندما نحضر دورات تكوينية (وهذه شهادة شخصية) فالتغيير الذي نرغب فيه قد يكون مرحلياً، وفي بعض الأحيان قد يكون تراجعاً أو انتكاساً أكثر من بداية الدورات، لماذا؟ لأن حضورك الدورات يوحي إليك أنك قد ملكت المهارات التي ترغب فيها، وكلما احتجت لمهارة استخدمتها فأنت مالكها، وهنا تبدأ النفس التي تعلمت هذا العلم، في الاستعلاء على من حولها كما قال قارون: {إنما أوتيته على علم عندي..} وقال الله تعالى: {فخسفنا به وبداره الأرض}، لماذا؟ لأن قارون كان عنده علم لكنه لم يكن يعلم مصدره ولا كيف يستخدمه بالطريقة الصحيحة.
فالتنمية الربانية تعرفنا بمصدر المعلومة، وأساسها من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ، وتوضح لنا كيف نستخدمها؟ وماذا سيحصل لو لم نستخدمها؟
أما التنمية البشرية فلا تخبرك بالعواقب إذا لم تستخدم مبادئها، فلا يوجد من يحاسبك، فأنت إنسان عندك مال، عندك شهادات، عندك قدرات لا محدودة ومهارات كلما احتجت لها استخدمتها.
أما التنمية الربانية فمنهجها مختلف تماماً، فقبل حضور الدورات والحصول على شهادات ودبلومات، لا بد من الحصول على شهادة القرب من الله.شهادة تمكنك من تهييء نفسك لاكتساب ما ينفعك ويقوي شخصيتك، قال رسول الله : >المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء، ولا تقل: لو أني فعلت كذا، ولكن قل، قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان<.
فمثلا نلاحظ الأب وهو رب الأسرة والمسؤول عنها يسعى بكل طاقاته إلى تقديم أحسن ما يوجد لأبنائه من أكل وشرب ولبس و….و….. فما بالك برب الناس أجمعين، هل سيقدم لك منهجاً يحتاج إلى دورات أم سيقدم لك منهجا أسهل مما تتصور؟؟ يقول سبحانه وتعالى: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون}(القلم : 36- 37). فقربك من الله تعالى و التزامك بضوابط دينه الحنيف يجعلك زهرة متفتحة قادرة على اكتساب كل جديد ترغب فيه، ويجعلك مؤهلا لتلقي كل ما يجعلك قويا جميلا لأن منهج التنمية الربانية يفرض عليك أن تكون أحسن وأقوى في بيتك علما وخلقا، أحسن واحد في عملك علما وخلقا وتدبيراً، أن تكون أول المسلمين، قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين}(الأنعام : 162- 163).
إذن فالهدف من التنمية الربانية هو أن تتحرك بطريقة صحيحة وفق هدايات الله لك، وتستمر في حركة دائمة لا تتوقف ولا تتوانى، الشيء الذي سيساعدك على اقتحام عالم التنمية البشرية بنفس مطمئنة وبقدرات تمكنك من انتقاء الأنسب إلى احتياجاتك.
ذ. رشيد وجكلي مدرب معتمد في التنمية الذاتية
Oujjra1963@hotmail.com