…في الوقت الذي كان فيه بعض القادة العرب الثوريين “يناضلون” دون كلل ولا ملل من أجل القضية الفلسطينية ويُلهبون حماس الجماهير بالخطب العصماء والقصائد الثورية، ويتوعدون (إسرائيل) بالويل والثبور وعواقب الأمور، في هذا الوقت كانت (إسرائيل) تعمل بهدوء وروِّية وعينها على الأقليات الإثنية في البلاد الإسلامية والعربية، باعتبار أن هذه الأقليات قد تصبح حليفا اِستراتيجيا أبيض ينفع لليوم الأسود، وما أكثر الأيام السوداء التي مرت بها (إسرائيل) وفي كل مرة كانت تجد من يقذف إليها بطوق نجاة ليخرجها من أزمتها، وبعض هذه الأطواق كانت تأتي من بعض هؤلاء الزعماء العرب الثوريين، ولعل آخرها طوق إعاقة وصول تقرير (گولد ستون) حول جرائم الحرب إبان محرقة غزة الأخيرة إلى لجنة حقوق الإنسان الأممية.
وفي كل مرة كانت (إسرائيل) تخرج من أزماتها “كالشعرة من العجين” أكثر قوة وجبروتا وتنكيلا بأهل فلسطين، وأكثر امتهانا واستهزاء بالعرب والمسلمين.
المهم… بدأت (إسرائيل) منذ تأسيسها عام 1948م تعمل ليل نهار من أجل اختراق الأقليات الإثنية في العالمين العربي والإسلامي وبدأ ربط جسور التواصل والتنسيق معها على قاعدة “فرِّق تسد” بغاية بلقنة العالم الإسلامي والعربي من حولها وتفتيته إلى كيانات ضعيفة، منزوعة الإرادة حتى يسهل ترويضها وتدجينها بمساعدة الأصدقاء الأوفياء في الغرب بشقيه الأوروبي والأمريكي، إضافة إلى بعض الثوريين العرب الذين تحدثنا عنهم آنفا. طبعا فكل هذه الأطراف مستعدة لتقديم خدماتها (لإسرائيل) رغبة في التكفير عن ذنب “المحرقة” ورغبة في دعمها السياسي في الانتخابات الرئاسية، إذ من المعلوم بالضرورة أن الرؤساء في أوروبا وأمريكا لا يجلسون على كراسيهم إلا بحبل من اللوبيات الصهيونية وحبل من أموال بعض الزعماء الثوريين العرب، وما قصة الدعم السخي الذي قدمه القائد الليبي لساركوزي لتمويل حملته الانتخابية بخافية على أحد خاصة بعد مطالبة نجل القذافي ساركوزي باسترجاع الأموال التي أخذها لتمويل حملته!! وقديما قيل : إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
… وصلت (إسرائيل) كعادتها إلى ما تصبو إليه واختراق جميع الأقليات الإثنية تقريبا.. دليل ذلك أن جميع الحركات الانفصالية التي نمت كالفطر في عالمنا العربي والإسلامي تقف خلفها أجهزة المخابرات الصهيونية تارة والأمريكية تارة أخرى أو هما معا في حالات كثيرة، ولا داعي للتذكير أن ذلك يتم من خلال توظيف طابور خامس من ضعاف النفوس وقليلي الذمة وفاقدي المناعة القومية والدينية ممن يُسمّون بمثقفي هذه الأمة وزعماء الرأي فيها..
لاحظنا ذلك في لبنان من خلال توظيف الموارنة وجيش أنطوان لحد العميل (لإسرائيل).
لاحظنا ذلك في العراق من خلال توظيف بعض الأحزاب الكردية وفيالق البشمرگة.
لاحظنا ذلك في السودان من خلال توظيف متمردي جنوب السودان بقيادة “جون گارنگ” الذي كان جنديا عاديا في الجيش السوداني في الجنوب، فرقي إلى قائد ثم زعيم ثم نائبا للرئيس السوداني لتتم تصفيته بطريقة يلفها الغموض لينصب زعيم آخر لمرحلة أخرى انتهت بتقسيم السودان، وبدأت سلسة من الكوارث السياسية والاقتصادية والحضارية لا تستهدف السودان وحده وإنما المنطقة بكاملها، كوارث وآفات لا يعلمها إلا الله والراسخون في العمالة لأعداء الأمة، يتزامن ذلك كله مع الإعداد لفصول أخرى من التقسيم في دارفور ومناطق أخرى من السودان الذي يُعرف عند خبراء الفلاحة في العالم بسلة طعام إفريقيا بكاملها، ناهيك عن مخزوناتها الهائلة من البترول والمعادن النفيسة مما يسيل لعاب الشركات الأجنبية في مجال البترول والغاز الطبيعي، ناهيك عن الثروة البشرية الحقيقية للشعب السوداني الطيب المجاهد المحب للخير وطيب الأعراق.
… مصداق هذا الكلام كله نجده في نص المحاضرة التي ألقاها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق (آفي ديختار) أمام معهد الأمن القومي الصهيوني سنة 2008م.
“كانت هناك تقديرات إسرائيلية منذ استقلال السودان في منتصف الخمسنيات بأنه يجب ألاّ يُسمح لهذا البلد رغم بعده عنا بأن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي؛ لأن موارده إذا ما استمرت في ظل أوضاع مُستقرة، ستجعل منه قوة يُحسب له ألف حساب”.
على ضوء هذا الكلام الصريح نفهم لماذا اتجهت إسرائيل بمختلف أجهزتها المخابراتية إلى السودان لكي تفاقم أزماتها وتضعف قوتها.. نفس الشيء يتم في باقي الأقطار العربية والإسلامية السالفة الذكر..
وبهذا تتضح الصورة… صورة الأكلة والقصعة التي تحدث عنها رسولنا الكريم .
ذ. عبد القادر لوكيلي