ألم قلم – “مسجد” أو “فضاء للعبادة”!


لعل المساجد من أهم ما يميز الحضارة الإسلامية، وخاصة من حيث العمران، ولقد تفنن المسلمون منذ القديم في جعل المسجد متميزا بشكله وجميع مكوناته. فبدا عبر التاريخ مكانا لأداء الصلوات، وللتعليم والتدريس والتثقيف. كما أنه كان أكثر الأماكن أمنا، ربما انطلاقا من الدعوة الإنسانية العالمية التي نودي بها يوم فتح مكة : “من دخل  المسجد فهو آمن”، حتى أن آباءنا كانوا يحدثوننا أن جنود الاحتلال الفرنسي كانوا لا يتجرؤون على دخول المساجد احتراما وتقديرا لهذا المكان أو تقديراً لشعور المسلمين تجاه المسجد الذي جعله الله تعالى له خالصا بقوله عز وجل : “وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا”.

ومع أن اسم “الجامع” قد برز إلى جانب “المسجد” في الاستعمال، وخاصة في استعمالنا الدارج في المغرب، حيث طغى اسم “الجامع” على  اسم “المسجد” فإن لفظ “المسجد” هو الأكثر انتشارا حتى  في اللغات العالمية في أوربا وآسيا وافريقيا، حيث إن لفظ “المسجد” هو الذي انتقل إلى هذه اللغات وحول أصله العربي إلى  ما يلائم طبيعة اللغات الأخرى البنيوية والصوتية، ولهذا نجد في كل لافتات الدنيا لفظ “المسجد” حسب لغات أقطار هذه الدنيا.

كم كان فرحي كبيرا حينما رأيت لأول مرة مسجد مطار اسطانبول في تركيا، وهي دولة علمانية وهو يحمل لافتة “مسجد” باللغتين التركية والانجليزية، يؤمه الناس من مختلف الجنسيات والقوميات فضلا عن المحليين، وهو مسجد نظيف ومريح ومجهز بكل المستلزمات.

وكم كانت فرحتي أكبر حينما حدثني صديق لي عن مسجد كبير بُني حديثا بالمطار الجديد لموسكو عاصمة الشيوعية إلى عهد قريب، يحمل هو الآخر اسم “مسجد” باللغة الروسية، وذكر لي هو الآخر أنه نظيف وجميل ومجهز بكل ما يلزم من التجهيزات الحديثة

ويجول النظر هنا وهناك في الأماكن العامة التي تلفت الانتباه ليجد لفظ “المسجد” حاضرا دالا على هذه المعلمة الدينية والحضارية للإسلام والمسلمين، لكن ما يلبث البصر أن يرتد حسيرا بعد أن يستقرّ على مطار الدار البيضاء بهذا البلد الغالي، ليرى عبارة “فضاء للعبادة” عوض “مسجد”، وكأننا في بلاد الوقواق التي لم تعرف لهذا المكان (الفضاء) اسما، ولا لما يُزاوَل فيه من عبادة وَسْمًا. ولست أدري ما الدافع الذي دفع القوم إلى اختيار هذا الاسم، ألجهلهم بحقيقة المسجد في تاريخ الإسلام؟! أم لجهلهم بما يؤدَّى فيه من شعائر؟! فخلطوا بين المسجد والكنيسة وغيرها من أماكن العبادة في المعتقدات الأخرى، وهل استوت عندهم كل المعتقدات في أرض أهلها مسلمون؟؟؟.

أسئلة يطرح الزائر للمطار دون أن يرى لها جوابا سوى إذا كان المراد عندهم هو أن “العولمة” قد ابتلعت كل شيء بما في ذلك “المسجد” مصطلحا ومفهوما…

> د. عبد الرحيم بلحاج

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>