لم يكن يشغل الحيَّ سوى هذه الوافدة الجديدة… شابة في مقتبل العمر، تسكن وحدها… تخرج عند أولى خيوط الصباح، ولا تعود إلا أول الليل… أما آخر الأسبوع، فتخرج قبيل المغرب، ولا تعود إلا صباحاً، متورمة العينين.. تتمايل… تتلمس الجدار لئلا تسقط!
حيكت حولها حكايات.. طاردتها كلمات نابية وصفير من ذوي قلوب مريضة.. لكنها لم تأبه بها!
ترى، أين تسهر في العطلة الأسبوعية؟! وما عملها؟!
أي مفاجأة مخجلة؟!
ذهب الجيران ذات يوم لعيادة جار لهم في المستشفى.. لم تكن الشابة سوى ممرضة هناك، تتفانى في عملها!
ذات ليلة، سيعود الجيران جارة لهم في المصحة… ولم تكن الممرضة المداومة ليلتي آخر الأسبوع سوى تلك ممرضة المشهود لها بكفاءتها!
خجلوا من أنفسهم… استغفروا لها ولهم.. تقربوا إليها.. دعوها إلى بيوتهم… فاعتذرت لهم بأدب :
- ظروفي صعبة… أعمل في المستشفى.. وأدرس… وأعمل في المصحة ليْلَتَي عطلتي الأسبوعية!
ندموا.. ما أغباهم..! قذفوها.. استسمحوها.. تابوا.. نظروا إليها بكثير من الاحترام والمحبة… إنها ابنتنا… أختنا… علينا أن نحميها ونعطف عليها!
كانت الممرضة الشابة من مكان بعيد،.. كبرى إخوتها… توفي أبوها وهو مدِين، وعليها أن تقضي ديْنه، وترعى أمها وإخوتها اليتامى..!
بحثوا عنها طويلا… لقد رحلت في صمت، بعد ترقيتها.. وانتقلت إلى مدينتها البعيدة حيث أسرتها…!
فأي درس هذا…؟!
ذة. نبيلة عـزوزي