1- أتى أمر الله فلا تستعجلوه :
من يضع أحداث التاريخ نصب عينيه بين الأمس واليوم للاعتبار، ونحن في ذهول تام نتابع انقلاب صفحات الحكم العربي المسربل بالدماء وأشلاء المذبوحين والمرميين بالرصاص دفعات دفعات كأن الأمر يتعلق بلعبات “البلاي ستيشن” الدموية، سيلمس بلا شك مواطن العزة وشروطها، والذلة وأماراتها، وكيف يحفر كل مدبر لشؤون الأمة وهو لا زال ببر الدنيا راسيا، حفرة من حفر جهنم أو يغرس غراس الخير للجنة الموعودة للذين آمنوا وكانوا يتقون.
وفي كل الأحوال لن يجادل أحد في أنه أمر الله، قد أتى ودقت ساعة كشف الحسابات العفنة المثقلة بحقوق “الغلابى” المقهورين، بدءا من تونس ومصر ووصولا إلى ليبيا والقائمة لا زالت مفتوحة.
وما فعله ملك الملوك وقذاف حمم الجهالات معمر القذافي وهو يتوجه بخطابه إلى الشعب الليبي شيء لا يمكن تصوره، وهو بلا شك ترجمة لحجم التردي الخطير “لممثلي الديمقراطية” و”حماة الثورة” و”عزة الأمة العربية الإسلامية” كما كان يسوقها على سبيل المثال “القائد الليبي” الذي كان يمعن في إرسال الإشارات الثورية من يديه كما لو كان “تشي جيفارا” وتشي جيفارا منه براء.
فهذا الرجل الثوري حقا والنظيف بكل معنى الكلمة في مرابطته إلى جانب الكادحين، ظل لا يساوم في التزامه بقضاياهم ضد الإمبريالية حتى اغتالته المخابرات الأمريكية (كما هي عادتها دوما في التخلص من المهددين لمشاريع مستخدميها الغاصبين للأمم المستضعفة).
وقد كان جيفارا وزيرا للصناعة في عهد الحكومة الشيوعية الكوبية وكان طبيبا ناجحا، وكان بإمكانه أن يعيش مرفها لاهيا لكنه زهد في كل المناصب والتحق برفاقه للدفاع عن الفقراء حتى اللحظات الأخيرة قبل اغتياله.
وهوالقائل : (إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجه إلى كل مظلوم في هذه الدنيا فأينما وجد الظلم فذاك وطني وهو القائل : (أنا ضد الربح ومع الإنسان ماذا يفيد المجتمع أي مجتمع إذا ربح الأموال وخسر الإنسان).
هذا حال رجل ملحد صدق الناس في النضال للدفاع عن مظلوميتهم مع تقديرهم واستشعار كل التضامن معهم في محنهم، ومقابله نجد طينة غريبة لرجل اعتبر نفسه دوما “زعيما للثوار” و”مناهضا للاستكبار”، مع تشدقه بحمل راية الإسلام، كلما زعزعت كرسيه رياح التغيير الإسلامي، ولفحت وجهه الصلب الشرس مقاومة أبناء ليبيا الباسلة.
طينة تند عن كل تحليل نفسي أو عقدي وصاحبها يصاب بسعار العض على الحكم حد الانخراط الأهوج في السباب والشتائم الجاهلية التي لا تليق إلا بالسوقة والدهماء، وحد جلب المرتزقة من كل حدب وصوب لسحل شعبه واغتصاب نسائه وإعدام الأوابين من مخلصيه وخدمه، والتهديد بإحراق بلده وإهدار نفطه.
فهل هناك حرص على الإمارة أكثر من حرص هذا الرجل؟! لا هو في تعفف وزهد ونظافة الثوريين الملحدين ولا هو في إيمان المستخلفين المؤتمنين على العباد في انتظار تقديم الحساب إلى الديان الذي لا يموت.
وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق في حديثه حين قال : ((إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة)).
2- إمارة اللئام رضاعا وفطاما :
صدق الشاعر زهير بن أبي سلمى حين قال :
ومهما تكن عند امرئ من خليقةّّ
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
فقد تكلف موقع ويكيليكس بفضح المستور وأكملت الشعوب مسيرة التعرية وأصبح الناس في مشارق الأرض ومغاربها يعرفون أن “الأخ القائد” معمر القذافي مثلا يملك أكثر من 200 مليار دولار وينام ويصحو على محيطات من النفط يفرقها بالأسعار التافهة على الغربيين ونسائهم، وهو يعلن عن استجلاب الحسناوات الغربيات والإيطاليات تحديدا، لتحسين النسل الليبي! ألا لعنة الله على الفاسقين!! وغدا العامة قبل الخواص يعرفون أن الأخ القائد يملك أكثر من 300 امرأة يحرسنه بالليل والنهار، ويرافقنه في الحل والترحال إيمانا من القائد بحقوق المرأة كما يقول في تفسير هذا الحمق المكعب! في الوقت الذي يقول فيه في الكتاب الأخضر أن وظيفة المرأة بالبيت!؟
وعن أبنائه ومجونهم ببلاد الغرب فالوقائع ثابتة في سهراتهم ونسائهم وتبذيرهم على الشقراوات بلا رقيب ولا فرامل! أما عن إسرافهم الغريب في إقامة المشاريع العملاقة والإنفاق على هواياتهم ككرة القدم وبالملايير من فضلكم فحدث ولا حرج، فكيف أمام هذا الرضاع الجشع لنعم لا تحصى يتوقفون وكيف يطيقون الفطام؟؟؟!!
ولا عجب إن أشهروا سيوفهم وأسلحتهم وهددوا بإحراق البلد بمن فيه وعلى من فيه، ونددوا بإعلام قناة الجزيرة (والتي تخصصت بالمناسبة في كشف العورات بشكل يدعو إلى الريبة)، وهم يرون وجوها لطالما أمعنوا في سحق أصحابها ونسيانهم داخل سجون الهلاك، خاصة الوجوه الإسلامية، وهي تتصدر المشهد الإعلامي وتدلي بالتصريحات الوسطية المعتدلة المسالمة وتعلن رفضها للمناصب وولاءها للشعب وقضية تحرره، وتكسر بالتالي صرح أكذوبة القاعدة وابن لادن، واستعداد المتطرفين للاستيلاء على النفط إلخ إلخ إلخ …في سعي بليد من “الأخ القائد” بتصريحاته هذه لاستجلاب التدخل الغربي المهووس ب “الخطر الإسلامي”.
وإنما هو الفطام المر والنهائي من ثدي النعم الليبية.
وخوفي ولهفي على أمتي والغرب الاستعماري يستعد للتدخل في ليبيا وسيفه مع العزل الليبيين المحاصرين وقلبه على النفط وأشياء أخرى يراد تنزيلها في إطار إعادة تقسيم الشرق الإسلامي خدمة لأمن إسرائيل، وذبحا للمشروع الإسلامي الذي تتبدى معالم قوته مشرقة وضاءة!!
فهل يتسلم العلماء الربانيون المسلمون راية ترشيد هذا الغضب، لامتصاص اندفاع شعوبه المقهورة ووضعها على سكة التغيير النبوي المتدرج الحكيم، ذلك التغيير الذي لا ينشد الحقوق والمغانم بقدر ما ينشد تعبيد العباد لرب العباد، وإقامة أمة العدل والكرامة للجميع، أم يسلمون الراية لفايس بوك بوصفاته المغذية والسامة في نفس الآن، وإسرائيل المرابطة وراء المشهد الدرامي والجاهزة لوليمة الأيتام التي أعد حطبها وطبيخها اللئام من بني جلدتنا؟؟!
ذة. فوزية حجبي