… إنه ما يزال حيا!
عبارة ترددت كثيراً على مسمعه… دماغه أثقل من صخرة.. حاول أن يفتح عينيه، أن يتحرك، لكنه لم يستطع… ولا يدري أين هو… وماذا حل به؟!
ثم سمع : لولا تأثير الخمر على دماغه… لتجاوز هذه الغيبوبة!
ثمة شبح أبيض يتحرك أمامه… ضباب يلفه وهو يحاول فتح عينيه… صوت ألفه يخترق أذنيه… كان يسمعه أحيانا أثناء غيبوبته الطويلة… لم يكن الصوت سوى لذلك الشبح الأبيض وهو يرتل القرآن الكريم!
دنا منه الشبح الأبيض مهللا : حمداً لله على سلامتك… منحك الله عمراً آخر!
غاب عن الوعي مرة أخرى.. لكنه ظل يسمع القرآن الكريم.. ثم ما لبث أن سمع جلبة في الغرفة… فتح عينيه.. لم يكن الشبح الأبيض سوى طبيب شاب يسعفه، وقد التحق به فريق طبي!
أدرك أنه في المستشفى… لكنه لم يدر كيف نُقل إليه… وكم لبث فيه؟! وماذا حدث له؟؟
بعد جهد مُضْنٍ… تذكر أنه كان في سهرة حمراء… صعق، حين أُخبر أن أصدقاءه كلهم ماتوا اختناقاً بالغاز، ولَم ينْجُ إلاّ هو…!
وتذكر حادثتي سير قبل ذلك، مات كل أصدقائه، ولم ينج إلا هو… وقد كان في حالة سكر…!
تساءل : لماذا هو بالضبط؟! أيعقل أن يموت كل أصدقائه وهم في ريعان شبابهم؟!
بل كيف؟! ولماذا ينجو ثلاث مرات من موت محقق؟!
لم يفكر قبل هذا في الموت… كل ما كان يفكر فيه نزواته فقط!
ومر أمامه شريط أصدقائه… وجوه شابة.. مال وفتوة وصخب… بكى بكاء شديداً.. أين هو الآن؟! ولماذا أنا بالضبط؟!
غبط طبيبه.. شاب يحيي سهراته بإسعاف مرضاه، ويتغنى بالقرآن الكريم!!
طمأنه الطبيب:
- أخذت دواء كافيا… لكن الدواء الحقيقي عندك… إنه دواء روحي..!
قاطعه باكيا :
- لكن… كيف؟! إني أخجل منه… كيف أعود إليه؟! هل سيقبلني؟!
رد الطبيب مبتسما :
- أجل…أجل… إنه غفور رحيم… من تاب، يبدل سيئاته حسنات!!
احتضنه باكيا:
- أ إلى هذه الدرجة تبلغ رحمته… اللهم إني تبت إليك… تبت إليك…!!
وهو يغادر المستشفى بعكازين… كان يخطط لحياته الجديدة : توبة وأوبة… وحياة طيبة… ورب غفور….!
ذة. نبيلة عـزوزي