من المفاهيم التي يراد بها اليوم كثير من السوء، وتتعرض لعملية مسخ ممنهجة وخطيرة جدا مفهوم العالِم، فصار كل من حمل شهادة معينة يوصف بأنه عالم، ثم صار كل من انتسب لهيئة معينة يوصف بأنه عالم، وهكذا… وقد تجد الواحد من هؤلاء “العلماء” لا يحفظ سورة من القرآن حفظا سليما سوى فاتحة الكتاب في أحسن الأحوال، وقد تسأله عن فرائض الوضوء أو كيفية التيمم فلا يجيب، وأما جانب الورع والأدب والخلق الكريم فليس أحسن حالا عند كثير من “العلماء” الجدد!
تصحيحا لهذا الوضع، وإصلاحا لهذا الخلل، اخترت أن أضع ببن يديك أيها الأخ الكريم نموذجا لأحد العلماء المتأخرين جدا، حتى لا تنخدع ببعض الألقاب، أو تصدق بما يقال من زور وبهتان، إنه الشيخ الفقيه الإمام ابو عبد الله محمد بن عبد الله بن علي الخِرَشي المالكي شارح المختصر.
كان رحمه الله متقشفا في مأكله وملبسه ومفرشه.
وكان لا يصلي الصبح صيفا ولا شتاء إلا بالجامع.
وكان خلقه واسعا، إذا تجادل عنده الطلبة، يشتغل هو بالذكر حتى يفرغ جدالهم.
وكان يقضي بعض مصالحه بيده من السوق ويحملها، ويتعاطى مصالح بيته في منزله.
وكان كثير الأدب والحياء.
وكان كريم النفس، جميل المعاشرة، حلو الكلام.
وكان كثير الشفاعات عند الأمراء وغيرهم، وكانوا يهابونه.
وكان مهيب المنظر، عليه خفر العلماء العاملين.
وكان دائم الطهارة، كثير الصمت، زاهدا ورعا،
وكان كثير الصيام، طويل القيام،
وكان له تهجد عظيم في الليل،
وكان نهاره كله في طاعة، إما في علم أو قراءة قرآن أو ورد، يقول من عاشره : ما ضبطنا عليه قط ساعة هو فيها غافل عن مصالح دنياه أو آخرته.
وكان كثير الذكر لله تعالى، لا يكاد يغفل عن قول : لا إله إلا الله في حال درسه وفي حال عمله.
وكان لا يسمع منه قط مذاكرة أحد بسوء،
وكان النور يخفق على وجهه يدركه كل المؤمنين.
وكان لا يذكر أحدا بغيبة، ولا يحسد أحدا من أقرانه على ما آتاه الله من علم أو جاه أو إقبال من الناس، بل يقول : لولا أنه يستحق ما أعطاه الله تعالى.
وما كان قط يزاحم على شيء من الدنيا، ولا يتردد على أحد من الولاة إلا لضرورة شرعية من شفاعة المظلوم ونحو ذلك.
وكان إذا حضر إليه جماعة ممن يَحْسُدُونه يجلهم ويكرمهم في غيبتهم وحضورهم ولا يؤاخذ أحدا منهم.
وكان لا يأنف في درسه وخارجه من مبتدئ ولا بليد
وكان إذا أتى إليه طفل يشكو إليه توجه معه إلى مطلوبه فيقضي حاجته.
وكان له في منزله خلوة يتعبد فيها،
وكانت الهدايا تأتيه من بلاد المغرب وبلاد التكرور وغيرها فلا يمسك منها شيئا، وإنما يفرقها.
وكان إماما في العلوم والمعارف، عفيفا متواضعا لا يكاد جليسه يمل من مجالسته . وكان وكان.. رحمه الله.
قال من لازمه سنين عددا : “لازمته ما ينوف عن عشرين سنة في درسه بالمقصورة وخارج الدرس فما أظن أن كاتب الشمال كتب عليه شيئا، وإن وقع أنه عرض لأحد على وجه التنفير فذلك من باب النصح للأمة لا لحظ نفسه”(1).
هذا جزء من صفات عالم توفي عام 1101هـ، ولو قصدنا الاستقصاء ما استطعنا ذلك.. وإنما القصد التذكير.
———–
1- حاشية العدوى على شرح الخرشي على المختصر 1/9-10
ذ. امحمد العمراوي من علماء القرويين amraui@yahoo.fr