1- حفدة أبي جهل الجدد:
كل الذين تابعوا بذهول تام مروع تلك السيارة العسكرية الخضراء وسط لجة الأمواج البشرية المتلاطمة من المواطنين المصريين المتعبين وزوغانها ذات اليمين وذات الشمال لتطحن المتظاهرين بكل وحشية لا يمكن أن يملك نفسه من البكاء، واستشعار المهانة والغضب العارم لهذه الاستباحة الوحشية للدم المصري، دم شعب عظيم، لا يكاد المرء يذكر رمزا من رموز العبقرية في ميدان من الميادين على المستوى العربي الإسلامي إلا و تزاحمت في ذاكرته الأسماء المصرية لتحتل الصدارة بقمم شامخة من المفكرين والمبدعين والعلماء والدعاة الأفذاذ..
وإن جولة عابرة بميدان التحرير حيث توالت الوقفات الاحتجاجية للمتظاهرين وتفتقت معها عبقريتهم الإبداعية عن مطارحات فكرية ولوحات فنية سامة اللدغات في سخريتها المذهلة وأشياء أخرى أعجب من الخيال لتشي بأن الأمر يتعلق بكل المقاييس بشعب استثنائي، شعب ابتكاري النزعة في المنشط والمكره، لذا وجب تحريك دمى الداخل لتنفيذ حكم الإقامة الإجبارية في حقه حتى تقوم الساعة بمقبرة الاستبداد، لأن أي شعاع حرية وعدل وتنسم للكرامة من طرف هذا الشعب العملاق ستجعله يجهز على كل مخططات الصهيونية الدولية المتربصة بمقدرات الأمة وحقينة عبقريتها الفذة لقبرها.
ولقد رأينا قبل هذا البلاء الذي حل بمصر المحروسة بإذن الله، ونحن في غمرة غثائيتنا كيف تم تفكيك وقتل العراق الماجدة بأكذوبات سرى بذكر جلجلتها الركبان من مثل استبداد صدام حسين غير المسبوق وأسلحة دماره الشامل، حتى إذا احتل العراق ونهبت كل خيراته قال البلطجية المحترفون : كنا على خطأ.
كما رأينا كيف باسم الثأر لجنوب السودان من “العاصي المشاغب” عمر البشير تم تفكيك السودان لتسهيل الانقضاض على ثرواته التي تؤكد الدراسات الموثقة أن منطقة دارفور بداخله تشكل فرشة بترولية هائلة.
وعن أفغانستان وثرواتها الطبيعية الجمة التي يتم تسريبها إلى لصوص العالم الجديد باسم حقوق الإنسان ومحاربة التطرف يطول ويطول سرد المرارات.
إنه ببساطة سيناريو الصدمة والترويع، ينقل من بلد إلى بلد لإحالة الدول العربية الإسلامية إلى حصيد كأن لم تغن بالأمس، وليستمر حلب “بقرة حاحا” النطاحة العربية المسلمة الحلوب، البقرة التي “تحلب قنطار لكنه مسلوب من أهل الدار” (كما وصف ذلك بعبقرية فنية عظيمة الشاعر المصري الجميل فؤاد نجم) بلا رقيب، والرقيب العتيد على كل شيء شهيد.
2- وجاء الدور على بقرة حاحا المصرية :
إن كل من تابع تلك الجحافل العدوانية من راكبي الجمال والخيول والتي لا يليق في توصيفها إلا مفهوم الجاهلية بكل معانيها، وأصحابها يطحنون الجماهير، لن يقفز إلى شاشة ذاكرته إلا صور أفلام “فجر” و “ظهور” الإسلام وهامات الجاهليين الجهنميين من سلعة أبي جهل، وهم يقطرون الرؤوس ويسلخون جلود مرددي “أحد.. أحد”، بل هي جاهلية أجهل وأعمى، فقد كان جاهليو الزمن الأول يفيئون إلى الحق إذ يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من أراجيفهم، في حين أن جاهليي اليوم، تنفر من كل فج ظاهر وخفي، مئات الآلاف من حناجر المواطنين التي تصرخ في وجوههم بأن طغيانهم تجاوز كل المقاييس لكنهم عوض استشعار الرعب من حساب رباني شديد وسجل الشهود على مظالمهم يتعدى الآلاف إلى الملايين، على العكس من ذلك تراهم يلجون في طغيانهم يعمهون، وتستعير في أجندات طغيانهم السيناريوهات الأكثر سوريالية لدفن شهود الدنيا والآخرة، حد إطلاق المجرمين من السجون لتخريب الأرواح والممتلكات، فهل بعد هذه الكراهية للوطن كراهية أشرس وأيدي المنحرفين تفك من أسرها لإراقة دم التعساء وإتلاف حصيلة الصبيب الفكري والوجداني لشعب مصر الماجدة؟؟
ألهذا الحد يشل الوله بالكراسي مقتعديها حد تقمص روح نيرون و شمشون لدك كل حي وجماد.
شيء جنوني.. وجنوني و جنوني بشكل يند عن كل وصف أن يمتلك الولاة شعبا هادر الكفاءات والطاقات كشعب مصر، فينهبون كل رزقه ليصرفوه ملايير في يخوت وقصور القطط السمان ويحولون غازه إلى أكبر عدو للشعوب العربية الإسلامية : الغول الصهيوني، في الوقت الذي يموت فيه المصريون في ذل المنافي العربية والغربية أو يراكمون في المقابر فإذا تململوا بكل حياء وقالوا “كفاية ذي الرحمة حلوة يا ناس”، فتحت أبواب الزنازين لالتقام آلاف المحتجين المؤدبين وسجل الحادث ضد من يسمونهم “الإخوان المسلمون” لضرب عصافير بحجر واحد.
ودعوني إخوتي القراء ألاحظ معكم كيف تناسلت بشكل مهول عبر الإعلام المرئي والمسموع وشبكات الإنترنيت وحتى كل مواقع ألعاب الأطفال أيام المحنة العراقية، صورالرئيس العراقي صدام في كل الأوضاع المخلة بالآدمية بحجة فضح ديكتاتور وطاغية علما بأن الشعب العراقي لم يخرج بنفس العدد الطوفاني المصري ولم يثبث بكل صور التعبير المذهلة كما الشعب المصري كيف “زهق وطق وفاض به” من رئيسه.
ومع ذلك فقد هبت كل الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا لتخليص العراقيين ورغم أنوفهم من “طاغيتهم” في حين لا زال ملايين المصريين من “غلبهم” ينادون بكل الأشكال التراجيكوميدية لرحيل نظامهم ومستبديه المستديمين، بلا جدوى، متصبرين بأشكال عجيبة من الاحتجاج من نوع ذلك الرجل الذي يرفع لافتته ويقول “خلاص بقا إرحل إيدي بتوجعني” و لافتة “إرحل بقا أنا عايز أتزوج” ولافتة “يالله ارحل أنا وحشتني امراتي”، واللافتة الأخرى التي تقول “امراتي بتولد والجنين مش عايز ينزل مش عاوز يشوفك” إلخ….
وبعــــد، ففي تونس كما في مصر كما الجزائر كما في دول عربية أخرى بل في العالم بأسره وأينما ارتكبت المظالم لا بد للسنن الكونية الإلهية أن تتحرك وللمولى سبحانه الذي يمهل ولا يهمل ولا يحب الظالمين أن يأخذهم أخد عزيز مقتدر بعد طول إملاء واستدراج، جزاء نكالا.
والله السميع العليم بجبروت طغاة تونس الذين ساموا الشعب التونسي العذاب فقط لتدينه المعتدل، كان لهم بالمرصاد ففضحهم فضيحة لن تقوم لهم بعدها قائمة. وطغاة مصر الذين ساروا على نفس النهج، بل أحكموا خنق غزة ليستفرد بها الصهاينة وزادوهم فوق الهدية هدية الغاز، نشر الله خائنة طغيانهم في العالم أجمع، وسيلحق بهم طغاة الجزائر من الضباط الأشرار الذين تخصصوا في سيناريوهات شرسة لمعاداة النبض الإسلامي للشعب الجزائري وقدموا فوقه الغاز الجزائري لأعداء وحدة المغرب الترابية، وشحنوا ما بقي لصالح جيوبهم نقدا إلى بنوك سويسرا.. ولن تجد لسنة الله تبديلا.
وخــــتـــامــا:
وأنا أستعرض حياة السريلانكيين الهادئة وبرنامج تقربهم إلى الله عز وجل طيلة النهار وزلفا من الليل أفهم الآن كيف أطعمهم الله سبحانه من جوع وآمنهم من خوف في جزيرة من المخاطر الهندوسية والبوذية الجمة، وقد صح فيهم قوله تعالى {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لهم الامن وهم مهتدون}.
ذة. فوزية حجبي al.abira@hotmail.com