نماذج من الذين أحسنوا الظن بالله


أ- أنبياء الله ورسله :

وممن أحسنوا الظن بالله، وفازوا برضاه فوزا عظيما، أنبياؤه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام الذي عاب على أبيه وقومه ما يعبدونه من تماثيل وأصنام كسرها لهم، ولما علم المشركون بذلك، اتفقوا على حرقه في النار التي أوقدوها أمام عينيه، وهو ثابت على إيمانه، ويقينُه في الله وحسنُ ظنه بربه يتأرجح بين الشهادة أو النجاة، فجاء الأمر الإلهي للنار {قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين}(الأنبياء : 69).

وهذه أم موسى التي أحسنت الظن بالله، حين خاطبها ربها {فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} (القصص: 6). فلبت أمر ربها وألقت برضيعها في اليم، فأعاده الله لها {فرددناه إلى أمه كي تقر عينهاولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق}(القصص : 12). ولما كبر موسى وجعله الله نبيا ورسولا لبني إسرائيل، قال له قومه حين تبعهم فرعون بجيشه {إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين}(الشعراء : 62) فقوله : “إن معي ربي …” دليل على حسن ظنه بربه أنه سينجيه وأتباعه من بطش فرعون وقومه.

وهذه مريم بنت عمران التي اتهمت بالزنا حين جاءت أهلها بمولود تحمله {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت امك بغيا فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا}(مريم : 26- 28).

فإشارتها إليه ليسمعوا منه كلامه، ناتج عن حسن ظنها بربها أنه سبحانه سينطقه. لإثبات براءتها مما رموها به. فأنطقه الله حيث قال : {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيئا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا}(مريم : 29- 31).

وهذا يوسف عليه السلام حين أعطى القميص لإخوته ليلقوه على وجه أبيه، كان ظنه في الله حسنا أنه سبحانه سيعيد إليه بصره {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يات بصيرا واتوني بأهلكم أجمعين}(يوسف : 93).

وهذا خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم

، قد ثبت في السيرة أنه كان حسن الظن بالله، ومنها ما ورد عنه حينما قال له أبو بكر وهما مختبئان في الغار: إنهم سيروننا يا رسول الله، فرد عليه صلى الله عليه وسلم

: “لا تحزن إن الله معنا” وقد قال المفسرون : إن الأفضلية مع ذكر الله قبل المعية، تكون أقوى من ذكره بعده.

ب- نماذج من المؤمنين المحسنين الظن بالله :

لكن رغم كل ما ذكر، فإن اقتناع بعض الناس بحسن ظنهم بربهم، يبقى بعيد المنال، معللين ذلك بقولهم : أين نحن من درجة الأنبياء والرسل وأولياء الله الصالحين؟ فيأتيهم الجواب في قول الله تعالى : {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه}(الطلاق : 2- 3).

ومن انتابه الشك فيما تقدم، فليتأمل معي فيما وقع لبعض من أحسنوا الظن بربهم من أناس عاديين، ولم لا نكون نحن مثلهم؟ ألم يكن ظن الرفقاء الثلاث الذين انغلق عليهم الكهف في الله حسنا. فأخذ كل واحد منهم يناجي ربه ويدعوه، ويذكر أهم ما فعله من أعمال صالحة، ابتغاء مرضاة الله، والله أعلم بذلك؟ حيث ذكر أحد هم كيف كان يحسن لأبويه فيطعمهما قبل إطعام أولاده.. وذكر الثاني تراجعه عن فعل الزنا بعد ما ناشدته المرأة بالكف عنها، وصرحت له بأنها ما قبلت بذلك إلا لسوء حالها وافتقارها لما تطعم به صغارها، فرق قلبه لها خشية من الله وتخلى عنها بعدما مكنها بما كان لديه من المال.

وذكر الثالث المال الذي استثمره لصاحبه الذي أودعه عنده، وغاب لمدة طويلة، ولما عاد وجد صاحبه قد نما له ذلك المال، وكون منه قطيعا من الغنم، فسلَّمَهُإليه كله. ومعلوم أن الكهف كان ينفتح بإذن الله شيئا فشيئا كلما ذكر أحدهم قصته، حتى ظهرت به فتحة كبيرة، فخرجوا منها سالمين شاكرين نتيجة حسن ظنهم بالله وتوكلهم عليه سبحانه.

وذكر القرطبي رحمه الله في تفسيره قصة الذي أحسن الظن بربه فنجاه ممن كانا يطاردانه، حيث حكى عن نفسه فقال : هربت من جنود العدو وانحزت إلى ناحية عنه، فلم ألبث أن خرج في طلبي فارسان، وأنا في فضاء من الأرض قاعد لا يسترني عنهما شيء، وأنا أقرأ أول سورة يس وغيرها من القرآن فعبرا علي ثم رجعا من حيث جاءا وأحدهما يقول للآخر : هذا دِيْبْلُه : يعني شيطان بالإسبانية. وهكذا أعمى الله أبصارهم فلم يروني والحمد لله حمدا كثيرا على ذلك.

وليعلم الجميع أن حسن الظن بالله واجب على كل إنسان وهو عبادة من العبادات التي يتقرب بها إلى الله، فعن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال : “حسن الظن من حسن العبادة” كماأن حسن الظن بالناس مطلوب أيضا، وهو يحفظ صاحبه من بغضهم وحسدهم وإذا يتهم.

> ذ. محمد الصباغ

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>