إن للإسلام خصائص ومميزات عديدة وفريدة تجعله ينفرد بها ويتميز عن جميع النظم الوضعية في كل زمان ومكان وخصوصا في العصر الحاضر، ولعل من أهمها خاصية التوازن بين الروح والمادة.
فالإنسان الذي خلقه الله تعالى وكرمه واستخلفه في الأرض مركب من عنصري المادة والروح. فلا يمكن أن يحقق سعادته إلا بإشباع رغباته المادية والمعنوية بدون إفراط ولا وتفريط. وهكذا فإن الإسلام كدين حياة جاء ليجمع في تزاوج خلاق وتوازن دقيق بين السماء والأرض والروح والمادة والدنيا والآخرة، وبصورة واضحة وتحديدا بين شقي الشريعة : العبادات والمعاملات. فالقرآن الكريم كتاب الله الخالد يحث على العمل لكلتا الدارين (الدنيا والآخرة). قال تعالى : {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا}(القصص : 77).
وفي القولالمأثور : “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”. إن هذه الثنائية ليست ثنائية “فصل” وإنما ثنائية “تكامل” فالروح والمادة ليسا بالقطع بديلين وإنما وفقا لهذا النظام يشكلان عنصرين مترابطين متكاملين يدعم أحدهما الآخر ويقويه دون إفراط أو تفريط أو دون إخلال التوازن بينهما.
لقد أباح الإسلام للإنسان المسلم التمتع بجميع أنواع الطيبات من الرزق في هذه الحياة. قال تعالى : {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق. قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة}(الأعراف 32). كما حرم عليه الخبائث والفواحش الظاهرة والباطنة. قال تعالى : {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}(الأنعام : 151). والرسول إلى جانب عمله للدار الآخرة كان يتمتع بطيبات الحياة الدنيا فهو إذن قدوتنا في هذه الحياة لكي نوازن بين مطالب الروح وحاجيات الجسد دون إفراطأو تفريط. وكان حريصا في توجه أصحابه إلى التوازن المقسط بين دينهم ودنياهم، وبين حظ أنفسهم وحق ربهم، وبين متعة البدن ونعيم الروح، فإذا رأى في بعضهم غلوا في جانب قَوَّمَه بالنصيحة والحكمة ورده إلى الحق والصواب والصراط المستقيم.
إن المسلمين اليوم قد غفلوا عن حقيقة التوازن بين المادة والروح حيث اهتموا بالجانب المادي وبالغوا فيه إلى درجة كبيرة وأهملوا الجانب الروحي بشكل مخيف فوقع خلل كبير في حياتهم. لقد اهتموا اهتماما كبيرا بالماديات واتبعوا الشهوات والملذات وكل زخارف الدنيا. وفي المقابل نسوا الدار الآخرة والعمل لها. وإن السبب في هذا الخلل والاضطراب يعود بالأساس إلى ضعف الوازع الديني وغياب الإيمان أو ضعفه وعدم إدراك حقيقة التوازن بين الدين والدنيا التي تميز شريعة الإســلام عــــن بـاقي الــديانات قــــال تعالى : {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك منالدنيا}(القصص : 77).
>عمـر الـرمـاش