هل جربت ألا تغتاب أحداً في يومك؟ وهل جربت ألا يُغتاب في مجلسك أحد؟ سؤالان من السهولة بمكان، لكن الجواب عنهما من الصعوبة بمكان! كما أن نتائجهما من الأهمية بمكان! إن أيسر شيء على اللسان هو الاغتياب، وإن محور الحديث في كثير من المجالس هو الاغتياب، ولذلك يقع فيه أغلبنا من حيث لا يدري، بيد أن عاقبته سيئة جدا، وخطيرة جدا، فالغيبة كبيرة من الكبائر، نهى عنها الله ورسوله، وتوعد الشرع الحنيف مرتكبيها بالعقاب الشديد، والعذاب الأليم، قال تعالى : {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن ياكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} وفي سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم).
إن الاغتياب إذن هو عملية أكل ونهش من نوع خاص للحوم الآخرين! فما أشده من جرم، وما أقبحه من فعل، وما أشنعه من منكر، شخص يأكل لحم إنسان مثله، بل قد يكو ن قريبا من أقربائه، أو حبيبا من أحبائه {ياكل لحم أخيه..} أوَ ما علم المسكين أن الله تعالى حرم عليه دم أخيه وعرضه وماله؟ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه >كل المسلم على المسلم حرام : دمه وعرضه وماله<. ولذلك أعود فأقول لك أخي الكريم -وأقول لنفسي قبلك- جرب ألا تغتاب أحدا في يومك، وألا يُغتاب أحد في مجلسك، فإنك ستضمن سبيلا من سبل الجنة ا لمتعددة، فقد قال صلى الله عليه وسلم : >من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة< ولا تظنن أن عدم اغتياب الناس أمر صعب، إنه يحتاج إلى شيء واحد : عزمة رجل صادق مع الله، وها أنذا أضرب لك مثلا في الموضوع يعينك على ما حدثتك به وعنه بإذن الله تعالى.
حدثني من أثق به عن واقعة حضرها، ملخصها أن قاضيا بارزاً جاء لزيارة الشيخ الفقيه العلامة الزاهد العابد سيدي أحمد الحجامي رحمه الله تعالى بمنزله صبيحة يوم العيد، فلما جلس أخبر الشيخ عن شخص صلى إماما بالناس مكان شخص آخر -والشيخ يعرفهما معا- ووقع له في صلاته سهو وخلط، وكأنه يريد أن يقول إن الشخص الثاني ضعيف، فقاطعه الشيخ رحمه الله، وقال له : ذلك أمر يخصه هو، ولا يعنينا نحن، وانصرف أنت لحال سبيلك، ومع تدخل بعض الحاضرين إلا أن الشيخ رحمه الله أصر على أن ينصرف القاضي الزائر إلى حال سبيله حتى يقطع دابر الغيبة والمغتابين من مجلسه، وكذلك كان الأمر.
إنه لدرس بليغ قطع الشيخ به لسان المغتاب (باسم الفاعل) ورد عن عرض أخيه المغتاب (باسم المفعول) وقد قال صلى الله عليه وسلم : >من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة<، وقال كلمة حق لا يستطيع الكثيرون قولها، ووقف موقفا لا يجرؤ الكثيرون على وقوفه، فاللهم ارحمه برحمتك الواسعة، ووفقنا لنحفظ ألسنتنا وأقلامنا ومجالسنا من اغتياب عبادك، فإنه لا يحفظنا من هذا الداء الفتاك أحد سواك.
ذ. امحمد العمراوي
من علماء القرويين
amraui@yahoo.fr
فما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم لمحاربة فاكهة المجالس التي عمت وتمت إلا مارحم ربي.
بارك الله فيك سيدي امحمد على هذا التذكير