عن أبي عبس عبد الرحمن بن جبير، ] قال : قال رسول الله : >ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار<(رواه البخاري). قال ابن المنير رحمه الله تعالى : دل الحديث على أن من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار سواء باشر قتالا أم لا. قال ابن حجر رحمه الله تعالى : وفي ذلك إشارة إلى عظيم قدر التصرف في سبيل الله، فإذا كان مجرد مس الغبار للقدم يحرم عليها النار فكيف بمن سعى وبذل جهده واستنفد وسعه؟.
قال ابن بطال رحمه الله تعالى : وهذا وعد من النبي ، والوعد منه منجز، وسبيل الله جميع طاعته. وعن أبي هريرة ]، قال : قال رسول الله : >لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم<(رواه الترمذي) وقال : حديث حسن صحيح.
قوله : >حتى يعود اللبن في الضرع< قال في تحفة الأحوذي : هذا من باب التعليق بالمحال كقوله تعالى : “حتى يلج الجمل في سم الخياط”(1) فغبار الطاعة ودخان جهنم ضدان لا يجتمعان. والحمد الله الكريم المنان.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال : سمعت رسول الله يقول : >عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله<(رواه الترمذي) وقال : حديث حسن والحديث رواه الطبراني في الأوسط بإسناد صحيح من رواية أنس.
فما يصيبك من إرهاق السهر في سبيل الله، ومَا يَلْسَعُ جلدك من برد الليل وأنت تحرس ابتغاء نصرة دين الله، وما اغْبرَّ من جسمك في طاعة الله، كل ذالك يحرم الله به بشَرَتَكَ عن النار. قال الطيبي رحمه الله تعالى : “عين بكت من خشية الله” كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه، كقوله : {إنما يخشى الله من عباده العلماء}(فاطر : 28) حيث حصر الخشية فيهم غير متجاوزة عنهم، فحلت النسبة بين العينين : عين مجاهدة مع النفس والشيطان، وعين مجاهدة مع الكفار(2).
ذ. عبد الحميد صادوق
——–
1- تحفة الأحوذي ج 5ص 187
2- شرح المشكاة ج 7 ص 352