يعد التاريخ موردا أساسيا في تشكيل الأجيال وبنائها الوجداني والعاطفي والحضاري، في زمان تتداعى فيه “البلعمة” التي تريد بلع كل الثقافات والخصوصيات، وفرض تاريخ الغالب على تاريخ المغلوب، وفرض تبعية الثاني للأول شبرا بشبر، ودراعا بدراع حتى على مستوى التقسيم الزمني، فالتاريخ الوسيط يبتدئ من476م وهوتاريخ سقوط روما على يد البربر الجرمانيين إلى سقوط القسطنطينية 1453م.
ونظرا لهذه الأهمية الكبرى للتاريخ، اهتمت الأمم بكتابة تاريخها والحرص على عدم تشويهه، وقد كان هذا الوعي حاضرا في تاريخ أمتنا.
ومن هذا المنطلق تتجلى أهمية الكتاب المدرسي عامة ومادة التاريخ خاصة لما يحتويه من بعد فكري وتربوي ووجداني، وحري بمؤلفي الكتاب المدرسي أن يستحضروا مجموعة من الضوابط في إنتاجهم لهذا الكتاب في ظل هذه الحرية التي أعطيت لبعض منتجي الكتاب المدرسي، فلابد أن تحترم قيمنا الحضارية في الكتاب المدرسي لكل المواد، ومادة التاريخ خاصة، ومما يؤخذ أيضا على المقرارت المدرسية في مادة التاريخ أنها لا تستعمل الكثير من المصطلحات التي أوردتها المصادر التاريخية القديمة مثل كلمة النصارى والغزوة كالغزوة الكبرى بوادي المخازن كما ورد في تاريخ الدولة السعدية التكمدارتية “الخبر عن غزوة وادي المخازن وذكر سبب خروج النصارى إليه”.
- النصارى (محمد المتوكل سمى النصارى أهل العدوة) “وسمى النصارى أهل العدوة واستنكف من تسميتهم نصارى”(1).
- الطاغية التي وردت في مجموعة من الرسائل الديوانية.
وكذا التمييز بين مصطلح وآخر كالغزوة والفتح(2).
وغياب هذه المصطلحات يرجع حسب زعمهم إلى أن الزمان قد تجاوزها وأن ظروف العصر تفرض مصطلحات جديدة، وهذا لعمرك لا يمكنه أن يعطي صورة حقيقية عن الفترة التاريخية.
يكثر في مقررات -مادة التاريخ – الحديث عن التحولات الفكرية والعلمية والفنية (الحركة الإنسية).
الحديث عن عصر الأنوار (الفكر الانجليزي والفكر الفرنسي)، لكن تغيب بقصد أوبغير قصد أحداث تاريخية مهمة نلمس فيها هذه النهضة العلمية والتطلع إلى البناء الحضاري، فمثلا في القرن السادس عشر – اهتم المنصور بالعلوم العقلية والنقلية بشكل كبير فبرز الحيسوبيون، والمهندسون، ففي رسالة مؤرخة بتاريخ 24 يونيو1600 بعث التاجر الإنجليزي بالمغرب Thomas Bernhere إلى العالم الرياضي ادوارد رايت edward Wright يقول : “… إن الملك مولاي أحمد مغرم بدراسة علم الفلك وعلم التنجيم ويجل أعمال الأدوات المتعلقة بالشمس والقمر التي هي من التدبير العجيب للغاية، لذلك فإن كرتك وساعتك ومزولتك الأرضية وآلة السدس وآلتك الفلكية المعدنية الجديدة المتخذة للأميال أوأية آلة فلكية تتعلق بذلك، ستقبل قبولا حسنا، ويمكنك أن تبيع بأثمان جيدة…”(3).
ومن و جوه الاختلال في عرض المادة التاريخية المناسبة أنه لـما تم رصد الأوضاع الدينية في العالم الإسلامي خلال القرنين التاسع والعاشر (الخامس عشر والسادس عشر) وجدنا الكتاب المدرسي “منار التاريخ والجغرافيا للجذوع المشتركة” يخصص الحديث في هذا المقطع عن انتشار المذهب السني والمذهب الشيعي مع العلم أنه في هذا المجال هناك جوانب ساطعة تحتاج إلى إبرازها لأبنائنا من مثل تشجيع العلم والعلماء.
إن دراسة التاريخ تكسب أبناءنا قيما تربوية وأخلاقية، لما تتوفر عليه موادها من عبر وعظات، وهذا الذي نجد الكتاب المدرسي بعيدا عنه كل البعد اللهم إلا ما أتى عرضا، والذي جعل أيضا هذه الشقة بين مقررات مادة التاريخ والقيم التربوية الإسلامية، هوغياب حديث الكتاب المدرسي عن السنن الربانية، ومن هذه السنن التي تحتاج إلى الوقوف عندها وتعليمها لجيل المستقبل :
1- سنة عاقبة الظالمين والمفسدين لأن التاريخ أثبت أن نهايتهم كانت سيئة ومعيشتهم ضنكا
2- سنة التداول الحضاري ويقصد به مداولة الأيام بين الناس من الشدة إلى الرخاء، ومن الرخاء إلى الشدة، ليمحص الصادقين من الكاذبين، قال تعالى {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين}(أل عمران :140).
3- سنة زوال الأمم وفنائها: إن زوال الدول يكون بالظلم والفساد فإذا ما تجبرت أمة من الأمم وعلت في الأرض وأصابها البطر والكبرياء، هيأ الله لها أسباب الانهيار والزوال قال تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الاوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد،فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد}(الفجر : 6- 14)، انظر مثلا إلى مجد الدولة المرابطية و العباسية وغيرهما كيف تألق، وكيف كان العدو يحسب لها ألف حساب، لما كانت تنشر العدل وتنصر المظلومين وتجاهد لحماية حمى الإسلام، لكنها بعد انغماس حكامها في الملذات وظلمهم للرعية وإثقال كاهلهم بالضرائب انهارت دولتهم وسقطت عروشهم.
4- ومن السنن أن هلاك الأمم يكون بانتشار الظلم، وعدم إقامة العدل، فلقد أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل وحرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، كما في الحديث القدسي >يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا<(4).
من أهم أهداف دراسة التاريخ التعرف على السنن الربانية في الكون، فإن لله سننا في خلقه أرشدنا إليها، وطلب منا التعامل معها، قال تعالى {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}(آل عمران : 137) وقال تعالى : {سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون}(غافر :85) فالمطلوب من المسلم هوالتعرف على هذه السنن الربانية.
إن مقرراتنا الدراسية عامة وفي مادة التاريخ خاصة تحتاج إلى مراجعة شاملة نستحضر فيها قيمنا وهويتنا وهذا لا يعني أن لا نستفيد من تجارب الأمم السابقة ونعرف تاريخها ولكن الذي نرفضه هو أن تصير المقررات غارقة في الحداثة ضاربة عرض الحائط محطات ناصعة من تاريخنا ما يقوي شخصيتنا بين الأمم والشعوب، هذا إذا كان لدينا وعي بأهمية التاريخ وخطورته على مستقبل أجيالنا.
ذ. أبي القاسم بوعزاوي
——–
1- ص 70 الاستقصا لأخبار دولة المغرب الأقصى الدولة السعدية الجزء الخامس وفي الصفحة نفسها رسالة محمد المتوكل إلى العلماء وردهم عليه.
2- ص 70 الاستقصا لأخبار دولة المغرب الأقصى الدولة السعدية الجزء الخامس وفي الصفحة نفسها رسالة محمد المتوكل إلى العلماء وردهم عليه.
3- الرسالة كاملة في المصادر الدفينة source ined, H.de Castries,1série anglaise,2, 168- 170.
4- رواه مسلم -انظر صحيحه 4/1994 رقم 2577.