كم تألمت عندما قرأت في بعض الصحف المشهورة لكاتب بها مشهور صيحةَ مُتحسِّر وهو يتساءل في آخر مقالته الرائعة : أينَ هم الشياطين الخُرْس؟ بعْد ما هاجم أحد المأجورين لمحاربة اللغة العربية بالمغرب.
ويجب علينا التذكير بما قام به علماؤنا استجابةً لرسالتهم التي ورثورها في ميدان نصرة لغة القرآن؛ فقد كانوا يتصدّون لبعض الأصوات النشاز التي كانت تناوئ اللغة العربية ويتغزلون في لغة أسيادهم الفرنسيين الذين ما يزالون يحاربون هذه اللغة كما صرح بذلك أحد أساتذة اللسانيات ممن درسوا بفرنسا حسب ما نشرته جريدة “المساء” المشار إليها أول المقال : إن للعلماء في عهدنا الذي عشناه معهم مواقفَ مشرفةً وخطوات مباركة وعظيمة في التعريب وتأسيساً واستدراكاً وتصحيحاً. وأحبُّ أن أسجل هنا الخطوة المباركة التي حققها العالم الشهير خريج القرويين الأستاذ عبد الهادي بوطالب رحمه الله تعالى عندما تولى حقيبة وزارة العدل؛ فقد عرب هذه الوزارة والإدارات التي ترتبط بها مثل الأمن والدرك وغيرهما. وكاد يُعرِّب التعليم كما صرح أمام ممثلي جمعيات الآباء في جولته عبر المدن والأقاليم لإعداد ملف عن مشاكل التعليم غير أنه كُلِّفَ بوزارة أخرى!!
وقد سجلت رابطة العلماء برئاسة الأستاذ الشيخ عبد الله كنُّون رحمه الله تعالى صفحات مشرفة فيما يتصل بالتعريب؛ مِن ذلك توصياتهم المتلاحقة عقِب مؤتمراتهم المتلاحقة ومن أعظم هذه المؤتمرات إن لم تكن أعظمها مؤتمر سنة 1964 بالدار البيضاء. ومن مفاخِر العلماء البيان العظيم الذي وقعه حوالي خمسمائة من أبرز شخصيات المغرب، وقد حرره العلماء وقاموا بنشاط كبير للتوقيع عليها ومن أبرز من كان وراء هذا الإنجاز : الأستاذ الكبير السيد إدريس بن الحافظ الإمام محمد بن جعفر الكتاني، والعلامة المجاهد الأستاذ الشيخ محمد بن عبد الله، والعلامة شيخ الجماعة بفاس السيد جواد الصقلي، والعلامة المجاهد الزاهد باعث الحركة الاسلامية الرشيدة بالمغرب الأستاذ محمد الحمداوي مؤسس مدرسة النجاح ثم مدرسة الأميرة عائشة بالبيضاء وغيرهم من العلماء العاملين في الخفاء.
ومازلت أذكر أن هذا البيان حُرِّرَتْ صياغته الأخيرة في قرية عين الشقف بفاس وأقترح أن يعادَ طبع هذا البيان العظيم الذي يمثل إرادة القيادة الفكرية والعلمية والسياسية والنقابية والمدنية بالمغرب. كما أود أن يعاد طبع بيانات مؤتمرات العلماء بقيادة الشيخ العلامة سيدي عبد الله كنون رحمه الله تعالى الذي عانى ماعانى بسبب بعض مواقفه المشرفة لرسالة العالم، ولقد أخبرني صديقُ العمر الأستاذ عبد القادر العافية ببعض تلك المعاناة في آخر عمره.
إن شيوخنا العلماء هم الذين أسسوا مدارس التعليم العربي الإسلامي التي ملأت المغرب قبل وجود الكتلة الوطنية وبعد تأسيس الحزبين : الاستقلال والشورى وخارج الأحزاب السياسية وهناك أسماء لامعة من العلماء في هذا الميدان مثل الفقيه الحمداوي والفقيه السوسي والفقيه السكوري بالصويرة والفقيه جوريو والفقيه إبراهيم الكتاني والحاج معنينو والأستاذ أبو بكر القادري وغيرهم كثير، ويجب ألاّ ينسى المغاربة ما قام به الشيخ المكي الناصري من تأسيس معهد مولاي المهدي بتطوان، جلب إليه بعثة مصرية لتدريس المواد العلمية باللغة العربية كما أرسل بعثة طلابية قوامُها أربعون طالباً يمثلون جهات وقبائل ومدن من المغرب وفعل مثل ذلك الأستاذ عبد الخالق الطريس الذي أرسل بعثة طلابية تطوانية وقبلها قام بذلك المصلح الحاج عبد السلام بنونة إذ أرسل بعثة طلابية تطوانية للدراسة في مدرسة النجاح بنابلس في فلسطين يوم كانت تحت الانتداب البريطاني، كما أسس الأستاذ الطريس المعهد الحر بتطوان.
وقد هاجر كثير من شباب المغرب بعد الحرب العالمية الثانية في طلب العلوم العربية والإسلامية إلى مصر وسوريا والعراق وقد ساعد بعض العلماء في هذه الرحلات العلمية المباركة كما كان لجمعية علماء الجزائر فضل كبير في مساعدة المهاجرين الشباب المغربي إلى المشرق للدخول إلى تونس وإعطائهم توصيات بهم لعلماء تونس لتسهيل اجْتياز الحدود إلى ليبيا.
إن جهود العلماء في ميدان تأسيس المدرسة المغربية الأصيلة القائمة على الإسلام واللغة عظيمة يوم كان العلماء يشعرون بأنهم ورثة الأنبياء.
شكر الله للكاتب الصحفي اللاّمع الأستاذ رشيد نيني على ما يقوم به من جهود مباركة بأسلوبه الشائق في ميدان الدّفاع عن الإسلام والقيم الأخلاقية الأصيلة والدفاع عن اللغة العربية وأسأل الله أن يمنّ علي بتمام العافية لأساهم معه في جريدته للدفاع عن هذا الدين ولغته العظيمة حتى لا ندخل في زمرة الشياطين الخُرْسِ!!
> أ.د. عبد السلام الهراس