من المعلوم أن الغضب منهي عنه من الناحية الشرعية، للحديث المشهور الذي قال فيه الرسول : >لا تغضب< ثلاث مرات، لكنه مشروع وواجب حيثما تنتهك حرمات الدين ومسلماته ومقدساته، فلقد كان رسول الله لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله.
وما أكثر ما نرى ونقرأ ونسمع عن انتهاك صريح لهذه الحرمات في أكثر من مكان دون أن يحرك الغيورون، أو من يفترض أنهم كذلك، ساكنا وكأن الأمر عاد من المألوفات أو من باب الحريات العامة والشخصية، أو من باب المثل >للبيت رب يحميه<.
قبل أسابيع هدد قس أمريكي بحرق 100 نسخة من القرآن الكريم، وندد الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض ودول أوروبية عديدة بهذا التهديد، الذي لم يكن فيما يبدو مجرد نية، لكن مع ذلك حصل التنديد من هؤلاء، وانتظرت أن أسمع ما يشبه التنديد من الجهات الرسمية العربية والإسلامية فلم أسمع شيئا إلا من الرئيس اللبناني -وهو مسيحي العقيدة كما هو معلوم- ورئيس الحكومة في العراق، الذي أشار إلى أن وقوع هذا الحدث قد يسبب ردة فعل عنيفة من جانب ” المتطرفين”، مما يعني أن الاستنكار لم يكن بدافع الدفاع عن حرمة القرآن الكريم، ولكن بدافع هاجس أمني لا غير، ولولا احتمال ذلك لم يكن ليحرك ساكنا!!
وقبل أسابيع أيضا، تناقلت وسائل الإعلام نبأ تكريم المستشارة الألمانية لصاحب الرسوم المسيئة تحت غطاء حرية التعبير، وكأن حرية التعبير لا تبلغ مدَاها إلا بالإساءة لأشرف الخلق، ومن ثم الإساءة إلى مشاعر الملايين من المسلمين، ومر الحدث دون أن تحرك أي جهة رسمية ساكنا، وكأن الأمر لا ينبغي أن يهم أي أحَدٍ من هؤلاء الرسميين..
وقبل أيام أقدم اليهود الصهاينة على إحراق أحد المساجد في فلسطين، وذلك بعد سلسلة إحراق العديد من المساجد خلال السنوات الماضية، لعل أبرزها وأهمها إحراق المسجد الأقصى المبارك… نعم تحركت كل الجهات الرسمية الإسلامية وعُقد أول مؤتمر لها في المغرب، وتأسست نتيجة ذلك منظنة المؤتر الإسلامي… لكن لم يكن المسجد الأقصى هو الذي أحرق فقط، فلقد أحرقت مساجد أخرى ودنست وهدمت وقصفت وحُوِّل بعضها إلى خمارات وملاهٍ في فلسطين، وغير فلسطين أيضا، ولم تحرك المنظمة ولا غير المنظمة ساكنا، وكأن بيوت الله رُكام من أحجار لا غير.
وبيْن هذا وذاك تحْدُث أحداث كُبْرَى يوميا هنا وهناك كلها تتضمن إساءة لعقيدة الإسلام وحضارته، واحتقاراً للمسلمين وشعائرهم، حتى صار شخص المسلم أذل الأشخاص، ودمه أرخص الدماء، وعقيدته أحقر العقائد في عالم يصيح صباح مساء نُعاته (نعم نعاته) بحقوق الإنسان وحرية التعبير، وما إلى ذلك من شعارات.
وأغرب من هذا أن عدداً ممن يحملون أسماءنا من بني جلدتنا، وبعضهم يحمل عمائم مختلفة الأشكال والأحكام والألوان، شمّروا عن ساعِد الهدم، وكشفوا عن وجه الرفض والعدوان وأطلقوا ألسنة السوء بسب الصحابة وقذف أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم، دون حياء ولا خوف، وكأنهم بذلك، بل هم كذلك، يكملون الحلقة التي تصوروها مفرغة، حينما أساء أصحاب الرسوم المسيئة إلى شخص الحبيب المصطفى ، فأكمل هؤلاء الحلقة بإساءتهم إلى أزواجه أمهات المؤمنين، والبقية تأتي…
ألا لعنة الله على كل فاسق خبيث حتى ولو كان معمماً من طينة “عَاسِر الخبيث”.
د. عبد الرحيم بلحاج