اطمأن إلى زينته أمام المرآة… هرول إلى الشارع، ضجراً من العمل المضني طيلة أسبوع.. أصدقاؤه في انتظاره لإحياء ليلة حمراء، كعادتهم نهاية كل أسبوع!
استقل سيارة أجرة صغيرة… كاد يرجو السائق أن يستبدل الشريط بآخر للموسيقى والغناء… إلا أنه وجد نفسه يستمتع بالشريط!
شعر بالاختناق، أرخى ربطة عنقه.. كلمات المحاضر تلامس شغاف قلبه.. المحاضر يحدثني، وكأنه يعرفني… إه… إلى أين أنا ذاهب؟! تساءل حائرا.
صحا على صوت السائق : حمداً لله على السلامة.. وصلنا!
إلا أنه لم يستطع النزول… والحيرة تستبد به : عيب.. وأصدقائي؟!
أغلق هاتفه، فرنينه يشوش عليه تفكيره أكثر…!
رجا السائق أن يذهب به إلى مكان آخر… عله يستمع إلى الشريط كله… لم يع نفسه، إلا وهو يرشف دمعه، خلسة من السائق… وقبل أن ينزل… سأل السائق عن عنوان الشريط.. فأهداه إليه… وانطلق…!
عاد إلى بيته راجلا، رغم المسافة البعيدة… لم يستجب لطرْق أصدقائه لبابه.. استمع إلى الشريط… بكى بكاء مراً على سنوات من شبابه أفناها في السكر والعربدة… وكان الشريط يتحدث عن التوبة!
توضأ وصلى.. انتابه شعور غريب، وكأنه كان ميتا فأحياه الله..
بكى ساجداً، فغمرته طمأنينة غريبة لم يشعر بها قط.. سمع أذان الصبح، فاقشعر بدنه، وكأنه كان أصم ولم يسمع الأذان قط… هرع إلى المسجد، وكأنه عصفور يطير بعد أن كان حبيس قفص…!
حاول أصدقاؤه بشتى الوسائل إرجاعه إليهم.. هزؤوا منه.. قالوا له : صلّ كما شئت… لكن ساعة لربك، وساعة لقلبك! فقال لهم : وماذا أفعل إن كان قلبي لربي؟! ونصحهم كثيرا.. فلم يستجيبوا له.. فابتعد عنهم!
في المسجد، وجد أصدقاء آخرين، يلتفون حول كتاب الله حفظا وتجويدا وتفسيرا.. المسجد عالم آخر، يشع نورا وجمالا، جعل حياته تتجدد مع كل صلاة، ومع كل آية، ومع كل خطوة، ومع كل نبضة…!
يأسف لأمر واحد، هو أنه لم ير رقم سيارة الأجرة، ولم يتذكر ذلك السائق ليشكره… لكنه يدعو له بظهر الغيب…!
ذة. نبيلة عـزوزي