كنت سأضع عنوانا آخر لهذا المقال، مأخوذا من بعض العبارات الدارجة، وهي عبارة “العز للمغاربة”، لكني آثرت العنوان المقتبس من الآية الكريمة، لأن عموم المغاربة مؤمنون، وسيبقون كذلك بإذن الله تعالى إلى يوم الدين، وما دام الأمر كذلك فستبقى العزة مصاحبة لهم، بإذن الله تعالى إلى يوم الدين، ولمن ناوأهم في دينهم وعزتهم وعقيدتهم الذلة أبد الآبدين.
ومن الأكيد ألا عزة إلا بالإسلام، فمن أعزه الله بالإسلام، وابتغى العزة في غيره أذله الله، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه منذ القديم.
في الأيام الأولى لشهر رمضان المبارك، نشرت عدد من المواقع الإلكترونية مقالات وتسجيلات لعدد ممن يحارب الله ورسوله جهارا نهارا، يدعون فيها بشكل صريح إلى المجاهرة بالأكل في رمضان، وإلى إلغاء المادة القانونية التي تعاقب على ذلك، دون أن يراعوا في ذلك لهذا الشهر المبارك حرمة، ولا للمغاربة المتدينين بطبعهم كرامة.
ورغم أن المجاهرة بالأكل في رمضان لا تقوض دعائم الصوم عند الآخرين الملتزمين بالصوم، ولا تنزع الإيمان أو الإسلام عن كل أكل بشكل تلقائي، فهناك العاجز والمريض والمسافر وغيرهم ممن يجوز لهم الأكل، وذلك في مقابل الصلاة التي لا تسقط عن المسلم كيفما كان حاله، وكيفما كان وجوده، أقول رغم كل ذلك وما شابه ذلك، فإن الدعوة إلى المجاهرة بالأكل في شهر رمضان، هو وجه آخر من وجوه الحملات المتعددة المحلية والعالمية ومعول من معاول هدم ما تبقى من معالم الدين، وتقويض بنيانه وطمس آثاره حتى لا يبقى منه شيء.
ويبدو أن مما يزيد من سعار هؤلاء الملفوظين اجتماعيا وحضاريا هو ما يشاهدونه من إقبال الناس على المساجد في هذا ا لشهر الكريم في سائر الصلوات وخاصة في صلاتي العشاء والتراويح، حيث إنك لا تجد موطئ قدم في مجموع المساجد إلا وفيه الركع السجود، ثم ما يشاهدونه من التزام جماعي للمغاربة بما تتطلبه شعيرة الصوم من إمساك وإفطار. فحينما يرفع آذان المغرب تخلو الشوارع والدروب من كل حركة إلا حركة الهرولة نحو المسجد للصلاة، أو البيت لتناول طعام الإفطار. وهذا كله لا يروق هؤلاء المتنطعين، لأنهم لا يريدون أن تبقى لهذا الشهر أي حرمة، ولا أي تمييز عن الشهور الأخرى.
وأكثر من هذا أن المواقع التي نشرت تلك المقالات والتسجيلات عبر “اليوتوب” وسمحت بتعقيبات القراء، فإن الملاحظ أن الأغلبية الساحقة لهؤلاء القراء أدانت إلى درجة الإجماع تقريبا ما لجأ ويلجأ إليه هؤلاء المرفوضون اجتماعيا وحضاريا، وعبروا عن تمسكهم بدينهم وعقيدتهم وحضارتهم، مما دفعني إلى القول : “العز للمغاربة!!”
وقريب من هذا ما قرأته من تعقيبات على ما نشرته أيضا هذه المواقع منذ مدة من تسجيلات لمقاطع من برامج تلفزيونية حول العلاقة بين الجنسين قبل الزواج, حيث أجمعت هذه التعقيبات أو كادت على إدانة هذا النوع من العلاقات ووصفته بأبشع الأوصاف، ونادت هذه التعليقات بسن قوانين لزجر ما يمكن أن يعبر عن ذلك مما يشاهد من موجة العري والخلاعة في الشوارع.
ولذلك أعود فأقول مقتبسا قول الله تعالى : {ولله العزة ولرسوله وللمومنين ولكن المنافقين لا يفقهون}.
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن “توهموا أن العزة بكثرة الأموال والأتباع، فبين الله تعالى أن العزة والمنعة والقوة لله” وتوهم هؤلاء المنبوذون أن العزة تكمن في اللجوء إلى وسائل إعلام غربية والاستقواء بها لهدم حصون الإسلام، لكن الشعب المغربي أبان أنه هنا، حاضر يذود عن معتقده ودينه وحضارته.
> د. عبد الرحيم بلحاج