منظومتنا التربوية إلى أين؟ أضواء نقدية وأفق البديل


ضمن منشورات الفرقان (سلسلة الحوار 37) صدر للأستاذ عبد المجيد بنمسعود كتاب : منظومتنا التربوية إلى أين؟ أضواء نقدية وأفق البديل. يتكون الكتاب من 224 صفحة موزعة على المواضيع التالية :

وقد قدم لهذا الكتاب الأستاذ الدكتور الشاهد البوشيخي، ولأهمية هذا التقديم ننشره تعميماً للفائدة.

قال الله جل ذكره : {فأقِم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون}(الروم : 30)وقال رسول الله  : >كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه..<(أخرجه البخاري في كتاب الجنائز 92).

الفطرة هي الأصل الحنيف، والفطرة هي خلق الله عز وجل والفطرة هي الدين القيّم، والفطرة هي خلق الله عز وجل قبل أن يبدل ويغير.

كل جديد من بني آدم إلى هذه الدنيا، يخرج على الأصل، وطبق الأصل، كما تخرج سيارة مثلا اليوم من مصنعها لأول مرة في تمام الاستواء والكمال والاستعداد للقيام بما صنعت له. فكذلك ابن آدم الوليد، يخرج معدّاً كل الإعداد، مجهزاً كل التجهيز، مستعدّاً كل الاستعداد للقيام بما خلق له، وهو عبادة ربّه وحده لا شريك له. قال تعالى : {وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات : 56)، وقال جل من قائل في الحديث القدسي : >خلقت عبادي حنفاء<.

فمن المسؤول عن صيانة هاته الفطرة حتى يبلغ الوليد ويرشد؟ ومن المسؤول عن المحافظة على ذلك الأصل ضمن بلاء الحياة، وتزكيته حتى يبلغ أشده؟ من المسؤول عن بقاء المولود حنيفا على >فطرة الله التي فطر الناس عليها<؟ ومن المسؤول عن عدم تغيير خلق الله فيه، واستمراره على الدين القيم!.

إنهما الأبوان حين لم يكن إلا هما، وإنهما الأبوان إذ حظهما أكبر وأسبق من غيرهما، وإنهما الأبوان، ومن في حكمهما منتعليم وإعلام ومناخ ثقافي عام، حين صار تكييف البيئة والتحكم في المؤثرات تامّا أو شبه تام، وإنهما ومن في حكمهما حين يفشو الجهل والعجز فيهما ويستحرُّ الغزو المرَكَّز والممنهج دوليا ومحليا فيهما وفي غيرهما بمن في حكمهما. إنهما بعبارة صاحب هذه “الأضواء” : “المنظومة التربوية”.

فهل صانت هذه “المنظومة” لدينا “فطرة” الوليد المسلم حتى يرشد؟ هل صانت >فطرة الله التي فطر الناس عليها} في الصبي والطفل والغلام؟ هل قام >الأبوان ومن في حكمهما من تعليم وإعلام ومناخ ثقافي عام< بالواجب الذي يقتضيه الإسلام في حق >الصبي والطفل والغلام<؟ هل جلبوا لهم المصالح ودرأوا عنهم المفاسد؟ هل أسكنوا قلوبهم الإيمان< وجعلوا خلقهم القرآن ودفعوا عنهم المهودات والمنصّرات والممجّسات والممركسات وغيْرها من ضلالات هذا الزمان؟ هل أعطى الأبوان القدوة الحسنة؟ هل قدما في تغذية أبنائهما طعام الأرواح على طعام الأشباح؟، هل انطلق التعليم والإعلام في الرؤية والمنهج والممارسة، من الإسلام؟

كلاّ ثم كلاَّ.

ومن ثم كان تعاظم هذا السؤال الذي يقض مضجع كل حليم : >منظومتنا التربوية إلى أين<؟.

أجل إلى أين؟

لقد كان منتظراً أن تخرج روح الاستعمار مع خروج جسده من البلاد، وكان منتظراً أن تستقل روح البلاد والعباد بعد حادثة ما سمي بالاستقلال وما هو باستقلال.

وكان منتظراً أن يطلق “الغرب” ثلاثاً : رؤية ومنهاجاً، فتراجع الرؤية الإسلامية والمنهاج الإسلامي في التعليم والإعلام وغير التعليم والإعلام.

وكان منتظراً أن تتابع مشاريع إصلاح التربية والتكوين يصدّق بعضها بعضاً، في اتجاه تخريج أجيال ينسخ الله عزوجل بها ما ألقى الشيطان في فترة حماية الكفر.

وكان منتظراً أن يحبّب التعليم والإعلام، وما يلحق بالتعليم والإعلام، إلى الناشئة الإيمانَ، ويزينه في قلوبهم، ويكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان ليكونوا من الراشدين.

وكان منتظراً.. وكان منتظرا…

ولكن الواقع -وا أسفاه!- سار في غير اتجاه المتوقع، فكان هذا الاختناق في التنفس الذي تبلور في السؤال : >منظومتنا التربوية إلى أين<؟.

وكانت هذه “الأضواء” التي نقدت ناصحة المنظومة والمنهاج والأستاذ والتلميذ مبينة مفاهيم، ومحددة مواقف، وواصفة شروطاً للخروج، فهل إلى خروج من سبيل؟

الشاهد البوشيخي

أوله العشر الأواخر من رمضان 1420هـ بمكة المكرمة

وآخره العشر الأوائل من ذي الحجة 1420هـ بفاس المحروسة.