مستعجلات لإنقاذ الجالية المغربية بالخارج
أ. د. الشاهد البوشيخي
-1 ضرورة حل مشكل المشاكل لدى الجالية، وهو تعليم الأبناء ما تستمر به هويتهم الثقافية المغربية العربية الاسلامية، منذ الروض حتى الجامعة؛ ذلك لأن المجتمع الغربي الذي يعيشون فيه، حريص على هضمهم وابتلاعهم، بل تصفيتهم ثقافيا -إن صح التعبير-، وهو مخطِّط لذلك، عامِل له، باذِلٌ فيه أقصى ما يستطيع، فضلا عن أن المغلوب مولعٌ بالاقتداء بالغالب، كما يقول ابن خلدون، وفضلا عن أن مستوى الجالية الثقافي-كما تقدم- هزيل جدا، ولا سيما إذا ما قورن بمستوى المجتمع الغربي الذي هي بين أحضانه.
حقا إن الجالية قد بذلت في هذا المجال -مجال تعليم الأبناء- جهوداً تذكر فتشكر، فأسست المساجد للمحافظة على هوية الآباء، لأن الآباء هم أصل الدواء أو الداء (إذ كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو.. الحديث)، وأسست المدارس الى جنبها -مدارس تعليم الدين والعربية يومي السبت والأحد- لنقل بعض مالدى الآباء للأبناء. بل بدأت في تأسيس مدارس رسمية أو حرة ابتدائية، تتميز ببعض المظاهر العربية والاسلامية.
ولكن أنّى لها -وهي في مستواها- أن تقدِر على الاستجابة المطلوبة للتحدي؟
مِن أين لها بالمدرسين الأقوياء الأمناء؟
من أين لها بالموجهين العلماء الحكماء؟
من أين لها بالتخطيط القريب الصدى البعيد المدى؟
من أين لها بالدعم المادي اللازم للتجهيز والتسيير؟
من أين لها بالدعم المعنوي اللازم لاستصدار الرُّخَص؟
من أين؟ من أين؟…
إن الجالية تتساءل بعمق :
ألسْنَا مغاربة من المغاربة؟
ألسنا مواطنين كاملي المواطنة؟
أليس أبناؤنا ممن يجب على وزارة التعليم بالمغرب أن تفكر في تمدْرسهم؟ وأن تبني لهم المدارس الخاصة بهم في المهاجر (مدارس البعثات)، كما تفعل عديد من الدول، وعلى رأسها الأوروبية؟
أن تتابعهم متابعة رسمية، عبر “مديرية خاصة بأبناء الجالية في الخارج” : تفكر، وتخطط، وتنفذ، وتتابع…
وإذا لم يكن ذلك -لاقدر الله-، فهل يعجز المغرب -على الأقل- عن الدعم المادي والمعنوي، أو بعضهما، أو أحدهما، لتيسير انشاء المدارس الحرة الخاصة بأبناء الجالية المغربية بيسر؟.
إنه لابد لحل معضلة الجيل الثاني من تأسيس مدارس حرة كافية، ولاسيما في المستويات التعليمية التي لم تقدر عليها الجالية بعد : مستويات التعليم الاعدادي والثانوي؛ لأنها المرحلة التي تتخلَّق فيها الشخصية وتشْتَدُّ؛ فما قبلها مجرد تمهيد، وما بعدها مجرد امتداد؛ هي مرحلة البلوغ؛ ومرحلة الرشد، ومرحلة التكليف، ومرحلة الخطاب الشرعي، ومرحلة اختيار النموذج….
لابد من إعداديات وثانويات على شكل مدارس البعثات أو غيرها، تطبق برامج وزارة التعليم بالمغرب، مضافاً إليها ضروريات البيئة المحلية.
فإن لم يكن فإعداديات، وثانويات حرة ببرنامج وزارة التعليم المحلية، مضافا إليه ضروريات البيئة الأصل.
وللمسلمين في ذلك -للأسف- اسوة باليهود، الذين يضيفون في مدارسهم الحرة مثلا بهولاندا حصتين كل يوم، إلى الحصص الرسمية العادية، لتدريس خصوصيتهم الدينية والحضارية.
ثم لابد بعدُ من اتاحة الفرص لتكوين الأطر العلمية والتربوية من أبناء الجالية نفسها، لابد من انشاء معهد عال لهم، لاستكمال دراساتهم العليا الاسلامية والعربية حيث هم؛ كتطوير “معهد الدراسات العربية والاسلامية” بالمركز الاسلامي ببروكسيل ليسد جميع حاجات دول البنيلوكس (هولاندا وبلجيكا والليكسمبورغ)، أو تطويره أكثر، ليسد جميع حاجات أبناء الجالية بأوروبا، فإن لم يمكن ذلك، فقبول أعداد منهم بانتظام سنويا في شعب الدراسات الاسلامية، وشعب اللغة العربية، والمدارس العيا للأساتذة بالمغرب. والمهم تصحيح النية، وتوطيد العزم، وبدء السير. ومن سار على الدرب وصل.
-2 ضرورة معالجة الوضع القانوني للأسرة المغربية المهاجرة بمشاركة عالم بالشريعة :
إن الجالية المغربية بالخارج تعيش وضعا مزدوجا في غاية الخطورة :
هي بحكم أصلها المغربي، قد أسست أسرتها وفق تقاليد خاصة، ذات مرجعية اسلامية معلومة.
وهي بحكم مسكنها الغربي، تعيش تحت ظل قوانين خاصة، ذات مرجعية علمانية معلومة، لها نظرة إلى الفرد، ذكرا كان أم أنثى، غير نظرة الاسلام، ولها نظرة الى علاقة أفراد الأسرة ببعضهم، غير نظرة الإسلام.
فإذا أضيف إلى ذلك قصور الجالية في “فقه” الاسلام، وحرص المجتمع الذي هي فيه على تخليصها مما تبقى فيها من إسلام، ليسهل الهضم، فإن المصاب يعظُم، والمصيبة تعُم؛ مما يجعل عدداً من الظواهر تبرز : كعقوق الأبناء، ونشوز الزوجات، وحمق الآباء، وتفكك الأسر، والطلاق غير الشرعي، والزواج غير الشرعي، وعدد من الغرائب والعجائب التي يمكن أن تفرزها هذه الازدواجية المعقدة المركبة!.
ولقد قال أحد الآباء، في تعليل ظاهرة الإجرام في الأبناء : >منعونا من تربيتهم بطريقتنا، ولا نستطيع أن نربيهم بطريقتهم، فلْيتحمّلوا نتيجة ما صنعوا<.
ولذلك لابد لعلاج المشكل الضار بالطرفين : الأوروبي والمغربي معا، من وصفة عادلة، تراعي الخصوصيتين : خصوصية الوطن وخصوصية السكن. ولا يتأتى ذلك بغير مشاركة عالم بالشريعة، في التشخيص والعلاج معا، لتُضْمن حقوق الجالية الدينية التي تكفل لها استمرار هويتها، انطلاقا من وضع قانوني عادل، مراعٍ للخصوصية الأُم.
-3 ضرورة تخصيص وزارة كاملة غير منقوصة لشؤون الجالية المغربية بالخارج، لها الأسبقية على غيرها في جميع شؤون الجالية، ثم ضرورة اعطاء الأولوية لقضايا الجالية في جميع الوزارات الأخرى المعنية (كالخارجية، والتعليم، والاعلام، والأوقاف، والمالية، والسكنى،… وغير ذلك).
وذلك لوزن الجالية المالي.
وحالتها الوجودية الخطرة، التي تقتضي وضعها -حكوميا وشعبيا- في غرفة الانعاش.
ودَيْنها الثقيل على البلد الأصل (المغرب) الذي لم يُفِدْها كِفاء ما استفاد منها.
ومستقبلها المهدد بتهديده مصدرٌ من أهم مصادر ميزانية المغرب ووجوده بالخارج.
إن الجالية شعب مغربي آخر يعيش بالخارج مهدد بالانقراض.
فإما أن نختار المحافظة عليه -لاهداف دينية ودنيوية معا، مأجورين على ذلك دينيّا ودنيويّا أيضا- فيلزم على ذلك الاسراع والمسارعة الى انقاذه، وجعلُ ذلك ضمن أولى الأولويات الوطنية، وأقلُّها تخصيص وزارة له كاملة غير منقوصة، لها الأسبقية على غيرها في شؤونه كلها.
وإما أن نختار زواله -لا قدر الله-، فلنتحمل مسؤوليتنا الكاملة في الالقاء به في النار، وتركه -وهو فلذات اكباد- لقمةً سائغة لأتُّون الكفر، ولنتحمل مسؤوليتنا الكاملة في حرمان الأمة من مزايا رافد من أهم الروافد المادية والمعنوية.
إن النقل والعقل والعلم والحلم، والسياسة والحكمة… كل ذلك يقتضي المحافظة على هذا الجزء من الشعب المهدد بالانقراض بعد حين.
ولا سبيل إلى المحافظة عليه بغير الاهتمام به، والمسارعة الى انقاذه، وحل مشكل تعليمه الذي به يضمن استمرار هويته، والاحسان في خطابه المناسب لظروفه وبيئته وثقافته، وهو الخطاب الديني العملي العلمي المنهجي، الذي لا ينقاد بغيره، ولا تستمر هويته أو تتجدد بدونه.
خلاصة :
كلمتان : خفيفتان على القلم، ثقيلتان بالألم :
- إما التدخل العاجل لحل معضلة التعليم لاستمرار الهوية.
- وإما لا وجود للجالية ذات الهوية المغربية بعد نحو جيل أو جيلين على الأكثر،إلا أن يشاء ربي شيئا.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.