لما خرج سفيان الثوري إلى البصرة فارا من الخليفة المهدي نزل في بعض البساتين وأجر نفسه على أن يحفظ ثمارها، مر به بعض العشارين (الذين يشترون التمر) فقال له:من أين أنت يا شيخ؟ قال: من أهل الكوفة. قال: أخبرني، أرطب الكوفة أحلى أم رطب البصرة؟ قال: أما رطب الكوفة فحلو وأما رطب البصرة فلم أًًََُذقه.قال الرجل:ما أكذبك من شيخ، الكلاب والبر والفاجر يأكلون الرطب الساعة، وأنت تزعم أنك لم تذقه، فرجع إلى العامل ليخبره بما قال لتعجبه، فقال: ثكلتك أمك أدركه إن كنت صادقا فإنه سفيان الثوري، أمسكه لنتقرب به إلى أمير المؤمنين المهدي.
ياله من ورع ويا لها من تقوى تجعل المرء يتحرى الحلال في مأكله و مشربه وملبسه وشأنه كله، هذا سفيان رحمه يحفظ الثمار ولم يذق تمرة، ومنا من يجعل ما استحفظ عليه مرتعا له ولذويه وأقاربه، يأخذ منه ماشاء متى شاء إن كان مالا، وإن كان وسيلة جعلت تحت يده ليستعين بها في عمله، سخرها في قضاء أغراضه الخاصة، وإن كان مما ينتفع به (أدوية-موادا غذائية-بنزينا……) أضحى مباحا له ولأسرته، فضاعت بهذا أموال الأمة، وحرمت من حقها في الاستفادة مما جاد به الله عزوجل من خيرات. يروى أن عمر بن عبد العزيز استأذن عليه أحد مستشاريه ليلا وهو في بيت مال المسلمين، منهمك في شؤون الرعية، فلما دخل عليه بادره عمر رحمه الله قائلا: أفي أمر من أمور المسلمين جئتني أم في أمر يخصك؟ قال : بل في أمر يخصني.فأطفأ عمر السراج وقال : لاينبغي لزيت اشتري بمال المسلمين أن يضيع في غير مصالحهم.
بمثل هذا ساد المسلمون، وارتفعت رايتهم على مشارق الأرض ومغاربها، فكيف وقد أصبحوا لا يبالون من أين يكسبون أموالهم، و يسابقون إلى الحرام البين، أما الشبهات فما سلم منها إلا من سلّمه الله عز وجل، فهل يرجى لمن هذا حاله أن يبدل الله حاله، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
> ذ. منير مغراوي
mounir_taha@hotmail.fr